أمنيات مبحرة
مجموعة كلمات تناثرت على حافة شاطئ الأمنيات، وها هي فتاة في مقتبل العمر تتمنى لو كانت أمها أكثر تفهمًا لقراراتها، أقل تدخلًا في خياراتها، فتدور الكلمات في خاطرها، ثم تتمتم بصمت: كم أتمنى أن تكون أمي مستشارتي من دون فرض الأوامر والضغوطات، وأن لا تنظر إلى أفكاري وإنجازاتي بعين صغيرة. بينما هناك أم لفتاة أخرى في الجهة المقابلة تلاعب أمواج المياه بيديها وتنادي بصوت غير مسموع، وبقلب مفجوع: آه يا بنتي، لو تعلمين كم أتمنى أن تكوني أحسن وأنجح إنسان، أتمنى أن لا ترتكبي أخطائي نفسها، كم أتمنى أن تستفيدي من تجاربي. كم تحمل هذا الشاطئ وحمل في طياته أمنيات أبحرت مع أمواجه إلى مصير مجهول، لا يعلم مصيرها إلا الله تعالى، فمن وفقه سبحانه تحققت أماني أبويه فيه، ووفق بالمقابل لأن تكون أمنياته مطابقة لأماني والديه، وهي بالأصل أمنيات مشروعة لكلا الطرفين؛ لأنها تعبر عن رغبة صادقة في التفاهم والتصالح والتصافي، فهنا لابد لكل طرف من أن يدرس أمنيات الطرف الثاني ورغباته؛ بغية تحقيقها، فما الذي يحول دون تحقيقها على أرض الواقع؟ إنه التباعد والفجوة العاطفية بين الأبناء والآباء، وقلة الحوار بين الطرفين، فلو أن كل واحد منهم أباح بالذي يدور بخاطره، لما حدثت هذه الفجوة، والحقيقة أن هذه المبادرة ينبغي أن تبدأ من الآباء؛ لأنهم الأكبر والأكثر وعيًا وخبرةً في هذه الحياة، وها هي كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) تصدح في الآفاق لتصل إلى أسماعنا وقلوبنا، إذ يقول في وصيته لابنه الحسن المجتبى (عليه السلام): "وجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئًا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرًا به إن أنا بقيت لك أو فنيت"(1)، وهذه الوصية تبين وتبرز دور الأب في الأسرة، لكن اللافت فيها رقة التعبير واختيار الكلمات، وطلب الأب إلى أبنائه من أجل إرشادهم إلى طريق الحق، فيبدأ بإبراز ما يشعر به تجاه أبنائه من محبة شديدة، ثم يبدأ بالنصح، والحال نفسه مع البنات، بل أكثر درجة من العطف والمحبة؛ لأن البنت عاطفية أكثر من الولد. إذًا تخصيص جزء من الوقت للتحدث مع الأبناء، يخلق جوا من التفاهم والتصالح بين الآباء والأبناء، ويؤدي إلى تحقيق الأمنيات. ........................................ (1) بحار الأنوار: ج74، ص217.