رياض الزهراء العدد 78 منكم وإليكم
صِراطُ النُّبوَةِ الخَالِد
(إنها تشبه عينيّ والدتي) هذا ما قاله (عليه السلام) حينما قيل له إنّ لديه عينين زرقاوين جميلتين، رأى من خلالها صراطه المستقيم في الحياة، ليكون أهلاً في إكمال الرسالة النبوية التي حملها آباؤه من قبله، لم تكن بشارة ولادته بسمة على شفتيّ والده فقط، وإنما كانت فرحة في قلب والدته السيدة الزكية (أم فروة) وأملاً مهدّئاً لآلام جدّه الإمام زين العابدين (عليه السلام) الكثيرة، لِمَ لا يشرق الكون بمجيئه؟ ولِمَ لا تستبشر الأعين برؤيته في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول عام (83هـ)؟ فهو منبع العلم والحكمة، ومؤسس مدرسة انتشرت معالمها في بقاع الأرض على مرّ الأزمان، لتغذّي الفكر الإنساني بالعلوم المختلفة، وسمّاه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بـ (جعفر)، ولقّبه بالصادق، وقد نفّذ أبوه الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وصيّة جدّه الأمين (صلى الله عليه وآله) في تسميته. عمل الإمام الصادق (عليه السلام) على تأسيس مدرسة تقوم على أسس الدين القيّم والسليم، لم تُعرف في معالمها كما يتبادر إلى الذهن كالمدرسة الواقعية في مقاييسها وهيكليتها، لكنها تجسّدت في معارفها وقيمها ومبادئها وعلومها، فعلى الرغم من بساطتها، كانت شعلة من النور الواسع والمستمر، فاستغل (عليه السلام) المستجدات السياسية التي كان فيها سقوط الحكم الأموي وبداية العصر العباسي، فلم يكن تحت المراقبة من قبل السلطة، وقد تميّزت هذه المدة بالفتن وانتشار الفرق والطوائف المختلفة التي تصدّى لها، فاتجه (عليه السلام) إلى يثرب واختار المسجد النبويّ الشريف لنشر ثقافته، فأُتيح لطالبي العلم الفرصة بتلقي العلوم والمعرفة عن طريق سليل النبوة الطاهرة، وكان لمكارم أخلاقه ومعرفته الواسعة دورٌ في جذب الكثير من الشباب ما يقارب أربعة آلاف طالب، باشتراك الأقاليم الإسلامية في إرسال أبنائها للالتحاق بهذه المدرسة الخالدة؛ لتلقّي العلوم المختلفة من فقه، وفلسفة، وتفسير القرآن، والكيمياء، والمعارف الأُخر شتى، وكان تلامذته يفخرون به وينظرون إليه بنظرة اعتزاز واحترام؛ لأنه تخلّق بأخلاق النبوة والأئمة (عليهم السلام) من عبادة الباري (عزّ وجل) فكان إما مصلياً، وإما صائماً، وإما يقرأ القرآن، وكان يخشى الله كثيراً، ومن تلامذته أبو حنيفة الذي تلقّى على يده العلم لسنتين، وعدّ هذه المدة من أهم مراحل حياته العلمية، وقد حثّ الإمام (عليه السلام) على تدوين جميع محاضراته كي لا تندثر، ونملك الآن كتباً ومؤلفات تحمل بصمته الطاهرة؛ لتزخر بها الأمة جمعاء ومنها: المصحف الشريف وقد كُتب بخطّه الشريف، وكتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، والجعفريات وغيرها من الكتب التي نُسبت إليه.