فاطمةُ (عليها السلام) أُمُّ أبيها

شهد صلاح
عدد المشاهدات : 226

من الأوسمة الرفيعة الخالدة التي لم تمنح لبنتِ نبيٍّ قط غير الزهراء (عليها السلام) ما منحه أشرف الرسل والأنبياء لسيّدة النساء حيث كنّاها بـ (أم أبيها)، فهي كنية ما أعظمها وأجلّها، وإنها جديرة حقاً بالتأمل والتدبر، فهي تعبّر عن عمق الارتباط الروحي بين المانح العظيم والممنوحة الطاهرة. فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: "كانت كنية فاطمة (عليها السلام) أمَ أبيها".(1) لقد تبوأت الزهراء (عليها السلام) المقام العظيم من قلب أبيها لا لكونها ابنته فقط وإنما أراد الله لها ذلك المقام المحمود زيادةً على مواقفها، فكلمة (أم أبيها) كلمة عذبة مِن أفضل ما تفوهت به حنجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) عندما قال: مرحباً (بأم أبيها) فلهذه الكلمة معنىً وأسراراً كثيرة ولابدّ من تسليط الضوء عليها. فلنعرف أولاً ما معنى (أم)؟ إذ ورد في صحاح اللغة العربية أن معنى كلمة (أم) هو الأصل، كما عبّر القرآن الكريم عن مكّة المكرمة بأنها (أم القرى) أي أصل القرى، فبناءً على هذا أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي الأصل، أي أصل شجرة الرسالة وعنصر النبوة. فقد يكون هذا هو أحد أسباب تسمية الرسول الزهراء بـ (أم أبيها)، ومن جهة أخرى وعند التأمل في حياة الزهراء(عليها السلام) واستقراء حياتها في ظل رعاية أبيها نجد عدّة معانٍ وتفسيرات لهذه الكنية، حيث إنها (عليها السلام) كانت تقوم بعناية أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتُساعده وتحمل همومه كما تحمل الأم هموم ولدها، وقد استطاعت أن تجبر الانكسار العاطفي الذي كان يعيشه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد فقد أبويه وفقد زوجته، فإن مواقف الأمومة التي صدرت عن السّيّدة الزهراء (عليها السلام) تؤكد نجاحها (عليها السلام) في أن تُعيد للنبيّ (صلى الله عليه وآله) المصدر العاطفي الذي فقده. وهذا مما ساعده بدون شك على تحمّل أعباء الرسالة. أو لكون السيّدة فاطمة هي أحبّ الخلق إلى قلب أبيها كما تكون الأم أحبّ الخلق إلى الابن، فقد كان يحترمها ويقبل رأسها ويشمّ منها رائحة الجنة. ويُحتمل أن يكون أحد أسباب تسمية فاطمة (عليها السلام) بأم أبيها هو امتداد رسالة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، حيث إن رسالة النبيّ لابدّ لها من امتداد (الامتداد الطبيعي للرسول (صلى الله عليه وآله) المتمثل في ذريته من فاطمة حيث كان يقول: "حسينٌ مني وأنا من حُسين"(2))، أي أن استمرار الرسالة السماوية إنما هو بوجود فاطمة وابنها الحسين وذريته الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ، وهذا ما نراه حيث ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) وقدم عياله فداءً لبقاء الدين، أي أن استمرار الإسلام إنما يكون بواسطة السّيّدة الزهراء(عليها السلام) ومن خلال ذريتها. كما أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يكشف عن مكانة فاطمة في الإسلام، وأنها تختلف عن نسائه اختلافاً كبيراً وتفوق مكانتهن؛ لأنها معصومة وهنّ لسن بمعصومات فكّناها بـ (أم أبيها)، ففاطمة مصداق آية التطهير.. وفي يوم المباهلة نجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يُخرج معه من النساء سواها، فنجد أن فاطمة (عليها السلام) قد تفرّدت عن نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبناته فامتازت بهذه الكنية. ................................ (1) إحقاق الحق وإزهاق الباطل: ج10، هامش ص16. (2) مستدرك سفينة البحار: ج8، ص233.