بنيتي: تذكري عطش الأبرار

زينب عبد الله العارضي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 121

يا ثمرة عمري: عندما تتفطر شفتاك من شدة العطش، تذكري ما جرى على مولاك الحسين (عليه السلام)، وما حل في عرصات نينوى من فصول الألم، إذ كانت تتدفق مياه (الفرات) أمام عيون سادة السادات، ويرد الماء الجميع طلبًا للارتواء، وتذبل شفاه من لأجلهم خلق الله تعالى الأرض والسماء، وبهم ولأجلهم رزق الكون ومن فيه بكل ألوان العطاء. فمن أقسى المشاهد التي ينبغي أن لا تفارقنا كلما لاح هلال شهر محرم، بل في كل يوم، هو مشهد العطش المؤلم الذي عاناه إمامنا الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره، علينا تخيل العطش كلما ارتشفنا رشفة ماء، وتمتمنا بالسلام على سيد الشهداء، ففي تلك الصحراء كانت الرماح مسنونة، والسيوف مشحوذة بالحقد والبغضاء وهي تستعد للارتواء من نحور الأتقياء. لقد سلبت الرحمة من تلك الأفئدة الفاسدة، واندثرت القيم في قواميس تلك العصابة العفنة، ولم يتبق في أرواحهم سوى حبهم لدنياهم التي أعمت بصائرهم، فجعلتهم يحتشدون للقضاء على إمام زمانهم! لقد برز سواد القلوب على الملامح، ولم يكن بين تلك الطغمة الضالة أي رابح، وداخل الخيام تشتعل الصدور، فهنا طفلة تنوء من العطش، وأخرى ذوى عودها من هجير الصحراء، وهناك أم تعلل صغارها بأمل الماء الذي سيأتي قريبًا مع حامل اللواء، وهنا مرضعة جف لبنها، وهدأت أنفاس صغيرها، تضعه في حجرها، تتأمله وقد ذبلت ملامحه، وتتلهف لجرعة ماء تعيد إلى صغيرها حياته. وبينما تتطلع العيون بلهفة، وتترقب المحامي الذي نذر نفسه لإمام زمانه وطفه، وبينما كان الجميع يحلم بالارتواء من كفه، والتزود من حنانه وعطفه، جاء النبأ المفجع: لقد أصيبت القربة، واختلط ماؤها بدم الرأس والعين، وسقطت راية العميد بعد أن قطعت كفاه التي كانت تحمل الماء إلى خيام الإمام الحسين (عليه السلام)، وانكسر ظهر السبط، وتبددت أحلام الصغار، فناح لعظم الخطب سكان السماء، وبدأت حكاية الماء التي سافرت عبر أثير الولاء؛ لتحل في قلب كل من يدعي الحب والانتماء لمحمد وآله النجباء، لتجعل شربه للماء بوابة الارتباط بسيد الشهداء (عليه السلام)، فقد روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام):"ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين (عليه السلام) ولعن قاتله، إلا كتب الله له مائة ألف حسنة، ومحا عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكان كأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله يوم القيامة أبلج الوجه"(1). .................................. (1) الأمالي للشيخ الصدوق: ص٢٠٥.