رحيل بطعم الشوق إلى كربلاء

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 731

في ليلة عاتمة تسللت في الظلام وقدمت إلى الضريح، وأقسمت أني سأنسى الهم ها هنا.. أقسمت أني سأنصهر مع حرماتها، فنبراس الحب والوفاء وصل الحرم.. أقسمت أني لن أبيت حتى تلتحف أجفاني بنور ضيائها وأعيش عذوبة الحلم.. أغرقت حرفي في هيام حبها، (سامراء) مهد سعادتي، وهدهدة الأشواق في أعطاف الأمل، هبت نسائمها تعبق مسكًا من باب السلام.. نثرت أحزانها الفريدة بيننا وردًا تدلى منه عرجون الوجع.. تجتاح نفسي مزنها فتسري وتتلو وردها في واحة الأجل، من أين تبدأ روايتها؟ رحماك ربي.. جاءت من وراء أفق مثقل بالحنين والآلام، تحمل حشرجة الجرح من ذاك الزمان الممتد على تجاعيد الدروب الموحشة، تلملم شتات المدينة المنورة في ليالي الصبر مكتومة الأنين؛ لتعود بها إلى أعتاب كربلاء، تبحث عن مصدر النور الذي توسدها.. تاه الفرح بين تراتيل صلاة الشهادة في كربلاء، وبين دموع الحزن في المدينة.. تلقي صداها مرارة ألم نسجته حبال حنجرة تتعبد في المحراب، ودمعة من ضياء عين السجاد (عليه السلام) يذرفها، والصمت على جور اللئام ينهكه، فلم تعد أقدامه تلمس أطراف الثرى إلا ليفترشه بثفناته، فيتجرع حرارة ثرى كربلاء من جديد.. في قلبه غصة تعالت نيرانها، وبكاء امتد إلى عنان السماء، أيقظت أحزانه غربة حلت بالأرواح، وهدت صمود بيت اليتم الذي سمت فيه رتب الشهادة والجهاد، وضيقت على أنفاسه حسرة خنقته، مولاي علي، يا آخر الناجين من ركب الحسين (عليه السلام).. اختبأ الرحيل خلف نعومة الموت ليبتل ظلك المقدس من ندى سحب الانتظار، ويصافح لحظة الغياب، وترمي جمرة حزنك السرمدي على الحسين فينا، فتستفيق سامراء من احتقاناتها الجريحة متسائلة: من لليتيم بعدك لينصفه؟ من للإحسان غيرك؟ هذا الفراق كشف الزيف عن فجرنا، فضاع سادة الفكر بالمكر، صفقة ترجوها الشياطين لتغوص الأفكار في ظلام الوهم، وتخرج من أوكارها ذيول الغدر. مصاب لوى ساعد الأيام، فعادت تتجرع مدينتي المنكوبة كأس سم (جعدة) مرة بعد مرة، والآهات تدمي ملاذها، وتكسوها ثياب الحزن، فوقفت بباب المهدي (عجل الله فرجه) أستغيث: ألا يا بن الأطايب الكرام، عجل فبظهورك فرجنا.. عجل فقد ثار جرح لعاشوراء، غرس في القلوب همومًا بواكيًا..