رياض الزهراء العدد 208 طفلك مرآتك
الأطفال وإقامة مجالس العزاء
(صغيرًا واحتوى قلبي هواكا...) كلمات يرددها الصغار منذ أول راية ترفع في سماء كربلاء المقدسة وإعلان حالة الحزن والحداد على سبط الرسول (صلى الله عليه وآله)، فيبذلون ما يبذلون من وسع وطاقة، وبعضهم يتبرع بما ادخره طوال العام لينصب مأتمًا، أو يشارك في طبخ الطعام وتوزيعه، وعند سؤالهم عن سر هذا الهيام، فجوابهم: خدمة الحسين (عليه السلام) شرف لنا، والحال ليس هناك من أجر مادي يقدم لهم، ولا شهادة شكر وتقدير، وقد يتقاعسون عن العمل في بقية أيام العام، إلا أنهم في أيام شهر محرم يسارعون إلى العطاء من دون تردد أو تأخير. وبين من يخدم ومن يشارك في العزاء، كان لنا حوار مع مجموعة من أطفال المواكب الحسينية في مدينة كربلاء المقدسة. (عبد الله) يخدم في موكب الحر الرياحي، يبلغ من العمر (٩) أعوام، يقول: منذ نعومة أظفاري وأنا أحضر في مجالس العزاء مع والدي، وأشارك في اللطم، ثم نصبت خيمة للأطفال لتقديم الشاي والكعك، إضافة إلى الماء البارد. ويقف (مرتضى الكربلائي) ليتحدث بفخر واعتزاز: أنا ابن هذه المواكب، لطالما خدم فيها جدي، وأبي، وأنا أسير على خطاهما، نطبخ الطعام ونجهز العصائر لنضيف زوار سيد الشهداء (عليه السلام)، ثم نخرج يوم السابع من المحرم إلى العزاء واللطم، هذا إرث ورثته من عائلتي وأفتخر به، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لخدمة سيد الشهداء (عليه السلام) في الدنيا، ويرزقني شفاعته في الآخرة. طفل آخر يحمل القربة على كتفه، ويسير بخطىً ثابتة وعيون دامعة، يتقدم نحو ضريح الكفيل في مسيرة يوم العباس (عليه السلام) في (عزاء السقاية)، حيث يتجمع الأطفال ويحملون بأيديهم القربة وينادون: العطش، العطش يا عم، فيلفت الانتباه الخادم الصغير (حسن المنكوشي) وهو يرفع القربة نحو القبة الشريفة، فمنذ عامه الأول وهو يحضر المجالس في الحسينيات، ويشارك في تأدية أدوار من واقعة الطف، وهو يردد دائمًا: طبعي كربلائي، ويسعى إلى تنفيذ وصية جده بالاستمرار في الخدمة الحسينية، وإيصال رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كل مكان عن طريق إحياء الشعائر الحسينية المقدسة. بين الوراثة والبيئة، دخل إحياء المجالس الحسينية المقدسة في تربية الأبناء، فتبعوا أجدادهم وآباءهم، والبيئة أيضًا أضافت لهم المكان المناسب والأصوات الحسينية الخالدة، منها صوت الحاج (حمزة الصغير) الذي لا يزال يسمع إلى الآن، والمقتل الحسيني بصوت الشيخ (عبد الزهراء الكعبي) رحمهم الله وجمعهم مع أنصار الحسين (عليه السلام)، فكانت كربلاء البيئة الصالحة، والدمعة والصرخة الباقية، المنتقلة من جيل إلى جيل.