رياض الزهراء العدد 208 تاج الأصحاء
الصحة النفسية في العلاقة مع الله ومع الذات
يرتبط الاهتمام بالجوانب النفسية للإنسان بمجموعة من العوامل التي تترك أثرها في الفرد بوصفه كائنًا متأثرًا ومتفاعلًا من جهة، ومؤثرًا في البيئة والمحيط من جهة ثانية، وقد تحدثت البحوث والدراسات عن عوامل التفاعل التي تترك تأثيرها في الإنسان في المجالات البيولوجية، والنفسية، والتربوية، والاجتماعية، فإما أن تذهب باتجاه سلبي، فيصبح الفرد كائنًا سلبيًا، وإما أن تذهب باتجاه إيجابي، فيصبح كائنًا إيجابيًا مفيدًا ومنتجًا، فيسهم برقي المجتمع ورفاهيته، ويحقق الخير لبيئته الخاصة والعامة. وتأسيسًا على العلاقة بين الإنسان وخالقه، نجد أن القرآن الكريم قد تحدث عن الصحة النفسية انطلاقًا من القيم والثوابت الأخلاقية، كقوله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد:28)، فضلًا عن التأسي بالسيرة النبوية الشريفة، وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"(1)، ولكن الاختلاف يكمن في المرتكزات التي تقاس عليها درجات الصحة النفسية ومستوياتها، فنجد أن أغلب الدراسات الغربية استندت إلى الظواهر المتعلقة بالأمور المادية، وربطت التطور السلبي أو الإيجابي للصحة النفسية بمقدار توافر العناصر المادية أو فقدانها لدى الفرد، أما الإسلام فقد ركز على الأبعاد الروحية والمعنوية من دون أن يسقط دور الأبعاد المادية التي تنحصر وظيفتها في الحفاظ على استمرارية الحياة بما يساعد على بناء حالة معنوية راقية، تبقى وتترسخ في النفس، وتنعكس استقامةً في الأداء والعمل. وهناك نماذج كثيرة من العلماء، والمكتشفين، والمخترعين، والكتاب، وغيرهم، ممن أسهموا بشكل جوهري في التمدن والتحضر، وفي توفير سبل الراحة والرفاهية للإنسان، إلا أن الصحة النفسية بالمنظور الغربي ستكون عرضةً للتقلبات والاضطراب بمجرد فقدان العوامل المادية، بينما يبقى التأصيل التربوي المرتكز على القيم السامية في العلاقة مع الله تعالى عاملًا ثابتًا في التطور والنمو الإيجابي مهما تغيرت الظروف، وبذلك تستقر الصحة النفسية للفرد بمقدار استقرار علاقته مع الله تعالى. ................................. (1) الأمالي للشيخ الطوسي: ص ٤٢٨.