صورة تحكي
ها هي خطوات (فاطمة) تزداد سرعةً وحماسًا لتصل إلى معرض الرسم الذي تزين بلوحات الرسامين والرسامات المشاركين في (معرض بين الحرمين الدولي) بمناسبة حلول شهر محرم الحرام، فكل ريشة، وكل لمسة تحاكي موقفًا، وتجسد موعظةً، فتخنقها العبرة ساعة، وتتأكد من أحاسيسها ساعة أخرى، هل حقا إنها هنا؟ في منطقة بين الحرمين الشريفين؟ هل هذا حلم أم حقيقة؟ هل تشرفت فعلًا قبل دقائق بزيارة إمامها الحسين (عليه السلام) وأخيه المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام)؟ إنها تنتظر هذه اللحظة منذ أعوام، فكانت تدخر من مصروفها كل يوم لكي تتشرف بزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، أيقظتها نداءات تلك الصور، فانفصلت (فاطمة) عن العالم الخارجي، فهنا لوحة تصرخ بصوت طفلة احترقت عباءتها، وهذا طفل جاء يركض باتجاهها هاربًا من هجوم الخيل، تريد (فاطمة) نصرته، فلم تستطع، تحاول حمايته، لكنه ينفذ من بين يديها كالسراب، فوقفت بين تلك الصور تحاول أن تفهم ما الذي يجري، هل انتقلت روحها إلى عرصة كربلاء؟ أم كربلاء بصورها سكنت قلبها وتحكمت بعقلها؟ وهنا سكنت جميع الصور وانقطع الصوت، كأنها تعيش في العالم لوحدها، ما الذي يجري؟ راحت تتمتم في نفسها: هل صحيح الذي أراه في الصورة التي أمامي؟ هل صحيح أن السيدة زينب (عليها السلام) هي من سلمت أخاها جواد المنية؟ نعم، الصورة واضحة، وأنا لست أحلم، لكن حاشا السيدة زينب (عليها السلام) أن تقسو على شقيقها، فهي الطيبة سليلة الطيبين، لكنه أمر الله تعالى الذي شاء أن يرى الحسين (عليه السلام) قتيلًا: "السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره"(1)، فتنهمر دموع الحزن والوجد، ويتبادر إلى الذهن خطاب السيدة زينب (عليها السلام) إلى يزيد بن معاوية: "ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، فإني لأستصغر قدرك، واستعظم تقريعك، واستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى والصدور حرى، فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا"(2)، فأي قلب يقارع بكلماته الظالمين، ويحارب الجائرين إلا قلب مليء بالإيمان؟! إنه قلب العقيلة الصبور. ............................ (1) بحار الأنوار: ج98، ص152. (2) أعيان الشيعة: ج1، ص616.