التكبر في آية وتبصرة سجادية

فاطمة نعيم الركابيّ/ ذي قار
عدد المشاهدات : 190

يمر علينا في الزيارة الجامعة الكبيرة وصف لكلام المعصومين (عليهم السلام): "وكلامكم نور"(١)، وهو الوصف ذاته المنطبق على كلام الله تعالى، حيث قال (عز وجل): (واتبعوا النور الذي أنزل معه)(الأعراف:157)، والنور غاية ما ننتفع به هو الإبصار بالعين والبصيرة للقلب، فما إن يبصر القلب النور حتى يعيش الهناءة؛ لأنه يكون بذلك قلبًا مهتديًا، ويسلك عندئذ صراطًا سويًا. وقد جاء في تراث إمامنا السجاد (عليه السلام) النوراني قوله في صحيفته المباركة: "وقلت ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين(2)، فسميت دعاءك عبادةً، وتركه استكبارًا، وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين"(3). والتبصرة هنا علامة في القلب وإشارة في القالب، فما إن يمرض القلب بمرض الاستكبار، حتى ترى صاحبه يأبى أن يرفع يديه بالدعاء، ولا يمد عينيه للسماء، ولا يحرك لسانه بالنداء، بل تراه يطرق باب الخلق، يمد عينيه إلى ما في أيديهم، ويتوسل إليهم، وهذا الحال يوهمه أنه في غنىً عن مولاه، فيأبى ويستنكف أن يطرق بابه الذي ليس له سواه؛ ليعيش الذلة الحقيقية وهو يظن أن غناه يكون عن طريق الطلب والتوسل إلى مخلوق محتاج مثله، إذ عبرت الآية بتعبير دقيق وهو (يستكبرون)، فالكبر يعرف على أن صاحبه يرى نفسه في موضع أكبر مما ينبغي له، والمتكبر عن الدعاء يرى أنه أكبر من أن يكون محتاجًا فقيرًا إلى الله تعالى، فلا يكون هو أول من يستعين به، ويطلب منه، ويتوجه إليه في حوائجه وأموره، وهذا أمر خطير ودقيق قد لا نلتفت إليه في حياتنا اليومية، فالإمام السجاد (عليه السلام) ينبهنا إلى أن ترك الدعاء في كل الأحوال هو علامة على وجود مرض الكبر في القلب، وهو يوجب الخلل في عبوديتنا لله تعالى. أما جزاء ترك الدعاء، فالآية الكريمة تبينه، وذلك قوله تعالى: (سیدخلون جهنم داخرین)(غافر:60)، أي أن بذرة الكبر في القلب إن نمت وكبرت، فإنها تخرج صاحبها من مصير أهل الإيمان إلى مصير أهل الكفر؛ لذا يكون قلعها بأن نلتفت إلى علاج القلب المتكبر بجعله متوجهًا إلى الله بافتقار دائم، وفي كل شيء يطلب المدد والعون منه، وقبل كل شيء يطلب التوفيق والسداد من ربه، ثم يتوجه إلى الأخذ بالأسباب، بل حتى في فعل الطاعات، فإن القلب المتواضع يطلب بالدعاء من معبوده القبول ودوام التوفيق لفعله، كقوله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنهم إلى ربهم راجعون)(المؤمنون:60). ........................... (١) بحار الأنوار: ج٩٩، ص١٣٢. (2) غافر:٦٠. (3) الصحيفة السجادية: ص...، دعاء٤٥.