سيدةٌ على قيد الصبر

زهراء سالم الجبوريّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 117

(دلهم)، إلى روحك التي أمست قنديلًا، تتأرجح بثوبها الأسود بين حبال الأسر والكسر.. والأيام كابوس لا تهبك سوى حزن أبدي.. وعيناك المسهدتان لا ترتجيان إلا حلم (زهير) على جناح نوارس اللقاء.. لكن الغياب يسرق ضوءه من جرف الأمل، ويسلم روحك لحضن الفراق.. إنه وجعك الذي صبغ قلبك ووجهك بلون الرماد، كرماد الخيام في قاع الهم.. وأنت تذرفين ألف سؤال، وتضعين ألف شارة للوجع على خرائط الأسر.. ولا ترين سوى الماء يغسل وجنتيك المحترقتين في حضرة انتصارهم.. لا تنتظريه، فلن يعود، بل أبصريه.. هو ذا قمر في سمائك ساريًا.. تلقي بكما اللحظات في صخب زحام الطريق إلى الشام.. نجمٌ يراقب نجمًا، وطريق القوم في اسوداد.. ما تزالين تذكرين ساعة الرحيل والعطش ينمو في داخلك.. وأنفاسك أضحت تتعثر بين الضلوع، والقلق يشاطر روحك المتعبة.. بين أخرجي ولا تخرجي.. ها هو ذا عمرك احتوشته السيوف، وارتوت من دمائه الرماح.. أبصريه نجمًا أضاء الطريق ولم يأفل.. أطل على الشهداء والصديقين وأنت لا تزالين تبحثين عن نوره المخضب بالشفق بين سحب القتلى.. فأراك عند جسده تترنحين.. لم يبق منك سوى دمعة جففتها ريح المصيبة.. لم يبق من نجمك غير روح تعانقينها بلهفة.. وتعدين ذكرى السنين.. عودي إلى حيث آثار الخيام، واجلسي على الرماد.. عودي، ولا تسألي لروحك الحزينة سوى الصبر.. يراودك حنين الفاقدين، وذلك (زهير) شهيد الحسين.. شهيد الحسين (عليه السلام)، لم يخلف الوعد.. لا تحزني يا (دلهم)، ولا تخافي.. لم يمت (زهير)، بل هو حي يرزق، قال تعالى: )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا ۚ بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون((1) فقد رسم بدمه لوحة الخلود.. احتضن السيوف والرماح في حضرة شمس الله، كي لا يكسف نورها.. وعلى امتداد كربلاء ينتحب الأفق، والنساء، والأطفال.. ومن حوله الفرسان والخيول ترهلت.. والصبح عابثٌ مختال.. قد عانق قاتليه بود، وإن قلبك أرقه رحيله، وهده طول السفر إلى تلك البلاد بحبال الأسر.. والأسى ينساب كالأنهار في عمرك القصير، وتورق فيه الشيخوخة.. وأنت تعلمين أن بداية عمرك مع الحسين (عليه السلام)، وأن آخرها عنده أيضًا.. كل خطوة تحمل إليك الذكرى من ذلك النهار، نهار عاشوراء.. فيشعل ناره ومن فوقه الحبال تتأرجح على متنك.. لن تلتئم الجراح أو تنطوي في رحلة الألم.. فجراح قلبك ستبقى داميةً.. تبكي كربلاء في كل حين.. ................... (1) آل عمران:169.