رياض الزهراء العدد 208 ملف عاشوراء
شريكة النهضة
لا ينفك السؤال يتردد عن سبب اصطحاب الإمام الحسين (عليه السلام) لعياله ونسائه إلى أرض العراق والظرف عصيب، والغدر متوقع، والحرب كر وفر لا تطيقه النساء والأطفال. إن المتأمل في ظروف خروج أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ثم العراق، سيعرف أن الإمام (عليه السلام) كان يحشد لنهضة حقيقية ضد حكومة يزيد، نهضة يقودها الوعي ويحدوها الحق، وتغذيها القيم الإسلامية النبيلة، نهضة تشبه نهضة الدين الإسلامي على الفكر الجاهلي وعصبية الباطل وذل العيش في أكناف الظالمين والمتجبرين. لقد أقدم الإمام الحسين (عليه السلام) على النهضة بكل وجوده بخطىً ثابتة، وهو الإمام العارف بشراسة العدو ودنائته، وغدره وكفره، وهو العالم أيضًا بالبناء الفكري للمجتمع، بل بالعالم بأسره، وهذا العلم اليقيني دفعه إلى اصطحاب النساء بوصفهن شريكات في النهضة، وقد قال الإمام الحسين لأخته العقيلة زينب (عليهما السلام) في ليلة العاشر من المحرم: "يا أختاه، اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته وإليه يعودون وهو فرد واحد، وإن أبي خير مني، وأخي خير مني، ولكل مسلم برسول الله أسوة... يا أختاه، إني أقسمت عليك فأبري قسمي: لا تشقي علي جيبًا، ولا تخمشي علي وجهًا، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت"(1). إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يطبق وصية الباري تعالى بقوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)(الأنفال:60)، فالنساء المؤمنات قوة، سلحهن الإمام الحسين (عليه السلام) وأعدهن للقيام بدور عظيم في النهضة، حتى تحقق النصر على أيدي تلك النسوة المسبيات الثكالى، وإلا ما الذي منع ليلى الثقفية من أن تقف بوجه ولدها علي الأكبر وتمنعه من القتال؟ وما الذي دفع أم القاسم بن الحسن (عليهما السلام) لتقديم فتىً لم يبلغ الحلم لأفواه الموت؟ وما الذي منع الرباب أرملة الحسين (عليه السلام) تلك الشابة الجميلة ذات الحسب من أن تقترن بزوج آخر بعد الحسين (عليه السلام) وتبدأ حياة جديدة كغيرها من النساء؟ كل هؤلاء النسوة مثلن جيشًا رديفًا لجيش أصحاب الحسين (عليهم السلام)، وكل واحدة منهن أدت دورها بإخلاص وإيمان، وحملت جذوة النهضة في روحها حتى آخر يوم من حياتها، ولم تضعف ولم تبرد تلك الشعلة حتى سرت مع ركب السبايا تجوب أصقاع الأرض، قائدتهن زينب العقيلة (سلام الله عليها) تحمل شعار: "اللهم تقبل منا هذا القربان"(2). .......................... (1) الإرشاد: ج٢، ص94. (2) حياة الإمام الحسين (عليه السلام): ج٢، ص301.