رياض الزهراء العدد 208 هندسة الحياة
حطمي دائرتك المغلقة
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: )هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور( (الملك:15)، تغمرنا هالة كبيرة من الراحة والاطمئنان والشعور بالامتنان عند قراءة هذه الآية الكريمة التي تشير إلى اللطف الإلهي، والسعة العظيمة في جعل الأرض مطاوعة للإنسان؛ ليستقر، ويمشي، ويأكل من رزق الله تعالى الحلال مما لذ وطاب، فنشعر بكل ما حولنا، مما سخره الله لراحة البشر، وعلى الرغم من توافر كل شيء، إلا أننا نجد الإنسان يقوم بتقييد نفسه بنفسه وبلا إجبار من الآخر، فيدخل في دائرة مغلقة مظلمة يقبع فيها بلا حراك، وينتظر من يسحبه يمينًا وشمالًا. هناك ظاهرة حديثة نسبيًا، تعرف حاليًا بـ(غرفة الصدى _ Echo Chamber)، ومن المحتمل أننا قد دخلنا في إحداها من دون أن نعي ذلك، فيها تجتمع الأفكار والاتجاهات كأنها صوت واحد، كمثل ما يحدث للصوت في غرفة فارغة، فأنه يعود إلينا مرات عديدة، فلا نسمع إلا أصواتنا، حتى يخيل إلينا أنه الوحيد، وقد توجد تلك الغرف على أرض الواقع بين شرائح المجتمع أو بين مجموعة من الأصدقاء، أو قد تكون رقمية، وهي الأكثر انتشارًا، والكثيرون قد وقعوا في شباكها، وتتم عبر خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي، فما إن تبحثي عن أمر ما، حتى تجدي مباشرةً نظائر ما بحثت عنه يأتيك تباعًا، فتنجرفين وراءه بلا وعي منك، وتنغمسين في عمق الدائرة المغلقة بلا متنفس سليم، ولعل أخطر ما في الأمر أن تلك الدوائر أو غرف الصدى يتمخض عنها أشخاص لا يتقبلون وجهة النظر الأخرى، بل قد يصلون إلى درجة التعصب، مما يجرهم إلى استعمال العنف بمختلف أشكاله دفاعًا عن أفكارهم، وقد يستغل مروجو الأفكار المنحرفة تلك الغرف لنشر شبهات معينة، وعن طريق التكرار سيتبناها قاطنو تلك الغرف، ويتمسكون بها، ويعضون عليها بالنواجذ، وغالبًا ما يتم دعم الموجودين بالتحفيز وتعزيز آرائهم وتوجهاتهم، وكل ذلك يمنحهم شعورًا بالثقة والاهتمام، فيستوطنون تلك الغرف، وينسلخون عن واقعهم، فكيف نخرج من (غرفة الصدى)؟ يجب أن نعي خطورة الأمر أولًا، فنكثف من مهارات الاستماع الفعال، ونقتنص الفرص للتواصل الإيجابي مع أفراد العائلة، مثلما أن للنشاطات الاجتماعية الدور الكبير في تحطيم تلك الدوائر، والعالم الحقيقي يستحق المغامرة والتعرف على ثقافات مختلفة، وتعلم لغات جديدة بدلًا من الخوف والتقوقع مع من يوافقونك الرأي في غرفتك الصغيرة مهما كان صدى صوتك فيها مطمئنًا، فابحثي عن المختلف، ولا تكرري نفسك، فالعالم لا يحتاج إلى النسخ المكررة.