رياض الزهراء الأخبار
صوت البراءة في موكب الأحزان
قبل عقد من الزمن وفي اليوم الخامس من شهر صفر، كانت أمّي تمسك بيدي الصغيرة، ونسير معًا في موكب السيّدة رقية (عليها السلام) الذي تنظّمه شعبة الخطابة الحسينية النسوية في العتبة العبّاسية المقدّسة إحياءً لذكرى شهادة السيّدة رقيّة (عليها السلام) وعلى مدى (14) عامًا، لم أكن أفهم حينها ما يعنيه هذا الموكب، لكنّني كنتُ أشعر بشيء غريب في قلبي، الأجواء كانت مختلفة، مليئة بالحزن والشجن، وكان هناك أصوات خافتة للبكاء والنحيب تتصاعد من حولنا. انطلق الموكب من مرقد المولى أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، إذ تتجمّع النساء والأطفال، وبعضهم يرتدي الأزياء التراثية المختلفة، أخبرتني أمّي أنّنا نسير نحو مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنّنا سنشاهد مسرحية تروي قصّة حزينة جدًا، لم أفهم لماذا كنّا نحزن؟ ولماذا كانت الناس تبكي؟ لكنّني شعرتُ بأنّ شيئًا مهمًّا يحدث. عندما وصلنا إلى مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، بدأتُ أرى المشاهد تتجسّد أمامي، كان هناك تمثيل لوصول السبايا إلى الشام، رأيتُ النساء وأطفالًا مثلي يمشون في الموكب، لكنّهم كانوا منهكين ويبدو عليهم الانكسار، كانت وجوههم متعبة وعيونهم مليئة بالدموع، شعرتُ بشيء غريب في صدري، شعرتُ أنّني أعرف هؤلاء الأشخاص، على الرغم من أنّني لم أرَهم من قبل، ثم ظهرت فتاة صغيرة على المسرح، كانت ترتدي ملابس بسيطة وتحمل نظرة حزينة في عينيها، قالوا إنّ هذه الفتاة تجسّد شخصية السيّدة رقيّة (عليها السلام)، فكانت تصرخ وتنادي أباها، شعرتُ بأنّني أريد أن أذهب إليها، أن أمسك بيدها وأخبرها بأنّني هنا، لكنّني لم أستطع. بينما كانت الطفلة تبكي على المسرح، بدأتُ أبكي معها، كانت دموعي تسيل على وجهي من دون أن أستطيع التحكّم بها، كانت أمّي تمسح دموعي، لكنّها كانت تبكي أيضًا، كانت لحظات ثقيلة ومؤلمة، شعرتُ أنّ الحزن الذي في قلبي لا يمكن أن يُوصف بالكلمات. بعد ذلك جلسنا جميعًا لإقامة مجلس العزاء، كان المكان مزدحمًا بالنساء والأطفال، وكلّهم يردّدون كلمات حزينة، تحمل حزنًا عميقًا، ويضربون على صدورهم. حزن قديم يعيش في قلوب هؤلاء الناس منذ مئات السنين. عندما عدنا إلى المنزل، بدأت أمّي تروي لي قصّة السيّدة رقية (عليها السلام)، أخبرتني بما مرّت به تلك الفتاة الصغيرة، فهي كانت من عمري، لكنّها عاشت أيامًا صعبة جدًا. أدركتُ كم كان هذا الموكب مهمًّا، وأنّه ليس مجرّد قصة يرويها، بل هو ذكرى نعيشها كلّ عام لنحيي فيها مصاب أهل البيت (عليهم السلام). كانت كلمات أمّي تتردّد في ذهني، خاصة عندما حدّثتني عن صبر السيّدة رقية وألمها، كنتُ أفكّر في كيف أنّ تلك الفتاة الصغيرة واجهت كلّ هذا الألم والفراق، وعلى الرغم من صغر سنّي، شعرتُ أنّني أرتبط بها بطريقة لم أكن أتوقّعها، كان الأمر مثلما لو أنّني حملتُ جزءًا من حزنها في قلبي. أنا الآن أبلغ من العمر (15) عامًا، بدأتُ أرى تأثير ذلك الموكب فيّ، إذ لم يكن مجرّد لحظة عابرة في حياتي، بل كان بداية لفهم أعمق لعلاقتي بأهل البيت (عليهم السلام)، أصبح الحزن الذي شعرتُ به جزءًا من هوّيتي، شيء يذكّرني دائمًا بقوة الصبر والإيمان، ويجعلني أقترب أكثر من هذه الشخصيات العظيمة التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ. وفي كلّ عام، عندما يحين شهر صفر، أستعدّ للانضمام مرّة أخرى إلى موكب السيّدة رقيّة (عليها السلام)، ليس فقط لأنّي أريد أن أتذكّر قصّتها، بل لأنّني أريد أن أشعر بذلك الاتصال الروحي الذي يجمعني بها، ويجعلني أعيش مشاعر الحزن والفخر في آن واحد.