أنيس النفوس وديعة الرسول (صلّى الله عليه وآله)

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 206

من رحمة الله علينا أنّ لنا في كلّ عصر إمام هدىً تمتدّ كلماته إلى قلوبنا فتتملّكها بكلّ ما فيها، ورحمة الله شملت أرض (طوس) بخيرات الجنان ما لا تدركه العقول، طيّبها الله باحتضانها بضعة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأمست النجوم آفلةً تبكي مصرعه، وجاءت الندبة على لسانه الشريف تتمة لقصيدة دعبل الخزاعي: وقبرٍ بطوسٍ يا لها من مصيبة ألحّت على الأحشاء بالزفراتِ إلى الحشر حتى يبعث الله قائمًا يفرّج عنّا الهمّ والكربات(1) نطقها سلطان الأولياء الراضي بالقضاء، فما أبياته إلّا امتداد لحديث جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حينما قال فيه على لسان رجل من أهل خراسان قدم إليه قائلًا: يا بن رسول الله، رأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام كأنّه يقول لي: كيف أنتم إذا دُفن في أرضكم بعضي، فاستحفظتم وديعتي، وغُيّب في ثراكم نجمي؟ فقال له الرضا (عليه السلام): "أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة من نبيّكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمَن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقّي وطاعتي، فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاءه يوم القيامة نجا ولو كان عليه مثل وِزر الثقلين الجنّ والإنس"(2). فالإمام الرضا (عليه السلام) حجّة الله على العباد الذي شعّ نوره، قرّة عين المؤمنين، وغيظ الكافرين، عمل على بناء الجماعة الصالحة في الأمة الاسلامية، فاتّسعت القاعدة الموالية لأهل البيت (عليهم السلام)، ممّا زاد من حقد المأمون العبّاسي حتى دسّ له فيه السمّ من دون خوف وتقوى من الله، ففاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، ومعها أُزهقت أرواح شيعته، لكن ما غاب النجم عنّا، بل ازداد شعاعه وكبر داخل أعماق المحبّين لمولاهم، وسارت وصاياه في ثنايا حياتهم، فكبر نجمه يومًا بعد يوم، فلم يبنِ الإمام الرضا (عليه السلام) ملكًا ليزول مع مرور الزمان، إنّما بنى فكرًا ثابتًا سار مع الأزمان، وخلد في أذهان المؤمنين، فقد أرجع الأمة إلى العلماء رواة حديث أهل البيت (عليهم السلام) لأخذ معالم دينهم عنهم، ومن جانب آخر نشر المفاهيم المتعلّقة بالحياة الاقتصادية لإصلاح الأوضاع والتغيير الأخلاقي والاجتماعي، وبناء واقع جديد مغاير لما عليه عامّة الناس، ولهذا تعدّدت مَهامّ الإمام (عليه السلام) التربوية الإصلاحية، منها توجيه القلوب للاقتداء بأرقى النماذج الإنسانية، ألا وهو رسول الله وعترته الطاهرة (صلوات الله عليهم)، وترسيخ الإيمان في قلوب الشيعة، إيمانًا كمصباح يتّقد بذكر الخالق والولاية لأهل البيت (عليهم السلام)، فسلام على أنيس النفوس ومنقذها من الضلالة والضياع، فلا سلطة لأتباع الشيطان في قلوب مؤمنين الذين نشؤوا على حُبّ الإمام الرضا (عليه السلام)، وأجاد وصف المعنى الشاعر حين قال: ما ينفع الرجس من قربِ الزكيّ وما على الزكيّ بقربِ الرجس من ضَررِ(3) ................................................ (١) بحار الأنوار: ج٤٩، ص٢٣٩. (٢) عيون الأخبار: ج2، ص257. (3)الأمالي - الشيخ الصدوق - الصفحة ٧٥٩