رياض الزهراء العدد 209 شخصيات ملهمة
السيدة رملة..أيقونة الصبر والعطاء
جسّدت المرأة في المجتمع الإسلامي دورًا بارزًا بفضل إيمانها بالعقيدة الإلهية عبر أدوارها المتعدّدة: الزّوجة، والأمّ، والأخت، والبنت، والتي صاغت منها وجودًا فاعلًا، وعلى صعيد كربلاء، فإنَّ أنموذج المرأة التي اشتركت في واقعة الطفّ كان قد بلغ القمّة في ذلك الدور، وتألّقت في آفاق الإنسانية لتخلد بخلود الموقف، وأصبحت بعد هذه الملحمة البطولية المثل النسوي الذي جسّد المبادئ الإسلامية؛ لتؤكّد على الرغم من كون المرأة ذلك الكيان العاطفي، إلّأ أنّها يمكن أن تجسّد دورًا مهمًّا في تاريخ البشرية، وتجتاز أصعب الاختبارات وأشدّ الابتلاءات، فتتبلور شخصيتها العقدية الإيمانية لتضحّي بأعزّ ما تملك حفاظاً على طريق الحقّ، فترسم طرق النصر مهما كلّف الأمر، لتكمله أمّهات الشهداء في كلّ زمان ومكان، ومن تلك النسوة الأنموذجيات السيّدة رملة (عليها السلام) زوجة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وأمّ القاسم (عليه السلام) والتي حضرت إلى كربلاء برفقة أولادها الثلاثة، والتي مثّلت جبلًا من الشموخ، والقوة، والتماسك، والعنفوان، وغيرها من معاني الإباء، إذ كانت السيّدة رملة (عليها السلام) عارفة بمكانة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهمّية نهضته الخالدة، كيف لا وهو القائل: " إنّي لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي"(١)، فعاشت محنته في جميع السنوات التي قضتها في ذلك البيت العلوي، وأعدّت نفسها وولدها لذلك اليوم الموعود بنيّة صادقة، وهذا ما أثبته موقفها في يوم عاشوراء عندما قدم ولدها القاسم (عليه السلام) على عمّه الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يرتدي ثياب أبيه الإمام الحسن (عليه السلام) وعمامته، ومتقلّدًا بسيفه، طالبًأ من عمّه الحسين (عليه السلام) الإذن بالقتال، فقال له: ارجع يا ولدي إلى أمّكَ، لعلّها تكره أن تذهبَ للقتال، فأجابه القاسم: يا عمّ، إنّ أمّي هي التي ألبستني ثياب أبي وعمامته وسيفه، وأرسلتني لنصرتكَ، فلمّا رأى الحسين (عليه السلام) أن القاسم يريد البراز قال له : يا ولدي ، أتمشي برجلك إلى الموت ؟ قال : وكيف يا عمّ وأنت بين الأعداء وحيد فريد لم تجد محامياً ولا صديقاً ؟ روحي لروحك الفداء ، ونفسي لنفسك الوقاء (٢)، وهي تشاهد فلذّة كبدها تزفّه السيوف والرماح، وخضابه الدماء، واقفة بصبرها على باب الخيمة تبصر عمّه وهو يحمله على صدره ورجلاه تخطّان على الأرض، كانت كالطود الشامخ، تاركةً على تراب كربلاء آثار مسيرتها ومواقفها بين تلك الضحايا التي لا تزال حديثًا للأجيال، ومثلًا أعلى لكلّ ثائر على الظلم والجور، فضربت أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام الموقف الصعب القاسي، حيث لم تجزع ولم يظهر على ملامح وجهها أيّ مظهر من مظاهر الاستياء على الرغم ممّا شاهدته على ولدها، بل استقبلته بروح عالية ونفس مطمئنّة، فاحتسبته شهيدًا في سبيل الله تعالى. ....................... (١) بحار الأنوار: ج ٤٤، ص٣٢٩. (٢) المنتخب للطريحي : ص 365 ـ 366.