رياض الزهراء العدد 84 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيات_21
قال تعالى: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)/ (النور:35) تحدثنا في الحلقات السابقة عن الآية (35) من سورة النور وبينّا أن الله (عز وجل) أفاض بنوره على السموات والأرض خلقاً بعد خلق برسالاته ورسله، وأنعم على الإنسان بنوره المتمثل بالعقل ليفهم تلك الرسالات...(1) وبعد ذلك ضرب لنا مثلاً رائعاً على كيفية ذلك النور فقال:(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ)/ (النور:35): والمشكاة هنا على ما ذكر الراغب: هي كوة تعمل في الجدار ليوضع فيها المصباح الزيتي. إذن هي محفظة المصباح من الرياح الشديدة ويغطى بالزجاج لتركيز الضوء وسهولة انعكاسه...(2) أما المقصود بعبارة (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) وذلك لصفاؤها وشدة إنارتها، فهي كالكوكب الدرّي الذي قال عنه المفسرون: إنه نجم مضيء متلألئ بالأنوار فإذا كان في زجاجة اجتمع صفاؤها مع نوره فازداد تلألؤاً ثم قال: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) لقد خص الله تعالى هذه الشجرة بالذكر؛ لأن زيتها أكثر إضاءة وأصفى وهي مباركة أي فيها منافع كثيرة، فالزيت يسرج به للإنارة، وهو أيضاً يستعمل كأدام ودهان ودباغ، وبحطبه توقد النار، وهو من الشجر المعمّر. ولتحديد مواصفات هذه الشجرة يقول الله (عز وجل) في كتابه الكريم: (لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) إشارة إلى أن هذا الزيت يحصل عليه من شجر يتعرّض للشمس من جميع جوانبه بشكل متساوٍ، فلا يتوارى عنه ضوء الشمس من الشروق حتى الغروب، فلا هي شرقية تصيبها الشمس عند الشروق فقط، ولا هي غربية تصلها عند الغروب فقط. ويعبر القرآن عن صفاء هذا الزيت فيقول: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) يعني لشدة صفائه يراه الإنسان مضيئاً ولو لم يمسه قبس من النار...(3) لقد ورد للعلماء والمفسرين آراء كثيرة بشأن المراد من هذا المثل، إذ رأى بعضهم أنه يقصد به الهداية العامة للموجودات، وقال آخرون: إنه هداية للإنسان ولكل من لديه حس وعقل وغريزة، ورأى بعض أنه خاص بالهداية العقلية، وقال بعض آخر: إنه ينطبق على هداية الوحي. وجاء في الروايات أن المراد من المشكاة هو صدر النبي (صلى الله عليه وآله) والمصباح هو نور الوحي الذي نزل عليه...(4) وفي أصول الكافي قال أبو عبد الله (عليه السلام): "إن المشكاة هنا للتعبير عن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وعبارة (فِيهَا مِصْبَاحٌ) تعبّر عن الإمام الحسن، وعبارة (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) يقصد به الإمام الحسين (عليه السلام)، و(الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) هي الزهراء كوكب دري بين نساء أهل الدنيا (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) هو النبي إبراهيم (عليه السلام) (لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) لا يهودية ولا نصرانية (نُورٌ عَلَى نُورٍ) يأتي منها إمام من بعد إمام (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) يعني يهدي الله (عز وجل) للائمة (عليه السلام) من يشاء. وعن نفس الآية يقول الإمام محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) هو نور العلم في صدر النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والزجاجة هي صدر الإمام علي (عليه السلام) فانتقل العلم من النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صدر الإمام علي (عليه السلام) أما بخصوص الآية (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) قال: يكاد العالم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يتكلم بالعلم قبل أن يسأل وعن عبارة (نُورٌ عَلَى نُورٍ) قال إماماً مؤيداً بنور العلم والحكمة أثر الإمام من آل محمد وذلك من لدن آدم إلى قيام الساعة فهؤلاء هم الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاء في أرضه وحججه على خلقه لا تخلو الأرض قي كلّ عصر من واحد منهم ويدل عليه في مقطع من قول أبي طالب في رسول الله (صلى الله عليه وآله)(5): مِنْ لَدْنِ آدَمَ لَمْ يَزَلْ فِينا وَصِيُّ مُرْشِدُ والمعنى من هذه الآية إن صفة نور الله (عز وجل) في وضوحه كالمشكاة التي فيها مصباح على أعظم ما يتصّور البشر من الإضاءة والإنارة. وإنما كان التشبيه بالمشكاة وإن كان نور الله تعالى أعظم لأن ذلك غاية ما يدركه العقل البشري من الأنوار، فضرب المثل لهم بما يصلون إلى إدراكه، والآية (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) يقصد بها ممن يفتحون قلوبهم للنور فيرونه. فهو شائع وفائض في السموات والأرض ولا ينقطع حيثما توجه إليه القلب رآه، وحيثما تطلع عليه الحائر هداه، وحيثما اتصل به وجده.(6) .............................. (1) من هدي القرآن: ج6، ص51. (2) تفسير الأمثل: ص70-71. (3) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص196-200. (4) تفسير سورة النور: ص86-87. (5) تفسير نور الثقلين: ج3، ص602. (6) الحياة السعيدة: ص197.