تروِيع الأطفال وأثَره النفسي

هند ياسين الجزائري/النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 169

صدرت عشرات البحوث والدراسات التي تناولت صحّة الطفل النفسية من أجل الحفاظ على نموّه السليم، وكلّما قلّت المعوّقات النفسية، كان نضوجه سريعًا وصحيحًا وَفق نظريات الخبراء التربويين، ولابدّ قبل الخوض في موضوع ترويع الطفل وتخويفه من دراسة المصطلح في معاجم اللغة العربية، فـ(الترويع) مصدر من (روّع)، أي (فزّع) وهو الشخص الذي يصيب الآخر بالخوف والهلع(1)، وقد تناول آثار هذا المفهوم عدد من الباحثين، وتتبّعوا أثر الموضوع على فئات المجتمع(2). وقد وردت كلمة (الرَوْع) في القرآن الكريم في قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى‏ يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (هود:74)، فتحدّث القرآن الكريم عن إبراهيم (عليه السلام) وشعوره بالفزع. والفزع، أو الخوف، أو الروع شعور خطير بالنسبة إلى كلّ الفئات العمرية لاسيّما الأطفال، لكون مرحلة الطفولة تؤثّر في تنشئة الفرد وشخصيته المستقبلية؛ لذلك نجد معظم المعنيين بالصحّة النفسية والتربية خصّصوا مساحات واسعة لدراسة أثر الخوف والهلع في الأطفال من جرّاء الحروب أو التعنيف من أحد الأبوين أو الأهل، فالشخصية المهزوزة، وعدم النضج، والاكتئاب، والانزواء، وغيرها من المشاكل علامات تعكس الوضع غير الصحّي الذي تعرّض له الطفل في تنشئته الأسرية، وقد تظهر علامات معيّنة للهلع بحسب المتخصّصين، منها: ضيق التنفّس، تسارع دقّات القلب، ارتجاف الساقين، الدوار والشعور بأنّه على وشك السقوط، التحسّس من الإضاءة القوية، فضلًا عن الانقباضات في المعدة والشعور بالغثيان، وتبقى هذه الآثار ملازمة للطفل إلى أن يتمّ معالجتها عن طريق مختلف العلاجات التي لها مساس بتغيير سلوكيات الطفل نحو السواء؛ لذلك نجد الدين الحنيف قد أولى الأطفال أهمّية كبيرة، وكان السبّاق إلى ذلك، فقبل أن تضع الحكومات الحديثة، والأمم البشرية جميعها شيئًا من مواثيق حقوق الطفل والإنسان كان الإسلام قد بيّن ذلك وفصّل فيه منذ (14) قرنًا، بل أكثر من ذلك، حيث شرّع الإسلام من حقوق الطفل ما يتقدّم على جميع هذه الأنظمة، فبدأ بالاهتمام بحقوقه قبل ولادته ونشوئه، بل من لحظة اختيار الرجل لزوجته لتكون أمًّا لأطفاله، فقد اشترط الإسلام الصلاح حتى تكون أمًّا صالحةً لهم، ثمّ اهتمّ بالطفل وهو في بطن أمّه، وحفظ له حقّه في الحياة، فحرّم إجهاضه، وفرض الديّة على مَن يقتله، وأجاز لأمّه الإفطار في شهر رمضان إذا كان صيامها يؤثّر في حمله وإرضاعه سلبًا، وقد سنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) سنّة حَسنة بتعامله مع سبطيه (عليهما السلام) أمام الأمة، وكيف كان يؤثرهما في بعض المواقف على مَن حوله، ليس فقط لأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، بل أراد (صلّى الله عليه وآله) تربية الناس وَفق منهاج قويم، وأسلوب حياة يُعتمد في كلّ وقت، عبر الاهتمام بشخصية الطفل ورعايتها، فحتى في الحروب يسقط عنه فرض الجهاد، مثلما يسقط عن النساء والكهول، فالإسلام دين الإنسانية والرحمة، لكن ويا للأسف هناك تصرّفات ومواقف عديدة تتنافى مع الذوق العام والتعاليم السمحة مثل ما ارتكبه بنو أمية بحقّ أطفال سيّد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته، حتى أنّهم لم يرحموا الطفل الرضيع والصغير، وأصبح وصمة عار في تاريخ بني أمية قتلهم الطفل الرضيع وأبناء الإمام الحسين (عليه السلام). ........................... (1) مقاييس اللغة: ج٤، ص501. (2) يُنظر: الترويع وأثره على أمن الفرد والمجتمع، مجلة أصول الشريعة للأبحاث التخصّصية – العدد السنة .