قضبان من نور

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 191

بينما كنتُ أقرأ بعضًا من روايات الإمام الكاظم (عليه السلام)، استوقفني قوله (سلام الله عليه): "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرّم"(1)، وما هي إلّا لحظات حتى أغمضتُ فيها عينيّ لأرى ذلك البيت ذا الجلسة العربية المريحة، والأجواء الدافئة التي تغمرها أصوات ضحك الأطفال بكلّ حبّ وبراءة، وفي زاوية منه تجلس تلك المرأة بوجه مكفهّر، وملامح عبوسة، وصوت عالٍ يحمل سيلًا من كلمات كلّها تبرّم واستياء وعدم الرضا بواقع العيش في بيت صغير بلا حديقة أو شرفة، ولا يحتوي مطبخًا كبيرًا، والكثير الكثير من نفخات التأفّف تتوسّط الجمل. نعم، هذا المشهد يتكرّر كثيرًا في البيوت، سواء أمام أعيننا، أو يطرق أسماعنا الحديث عنه، ومع كلّ كلمة تبعث اليأس والسأم، وكلّ إشارة بعدم الرضا، يحترق من العمر أجمل أوقاته، فتلك المرأة وغيرها الكثير نظرت فقط إلى الجزء الفارغ من الكأس، ولم تستطع أن تستثمر المليء منه، بينما الجزء الذي يراه الآخرون فارغًا، هو أيضًا ممتلئ بالهواء الذي لولا وجوده لما بقينا على قيد الحياة، فكلّ ما هو موجود يدلّ على نِعم الله سبحانه وتعالى، ورحمته الواسعة المحيطة بكلّ شيء. وعند العودة إلى قول الإمام الكاظم (عليه السلام) وتطبيقه على حياة المرأة المذكورة، فساعة مناجاة مع الله سبحانه تزيد من صلابة الحبل المتين بيننا وبينه في الجانب الروحي للشعور بالأمل المحمود، والتفاؤل بالقادم الجميل، وتمنحنا الإقدام على ساعة المعاش والتكسّب الحلال، وتنظيم الوقت وشؤون المنزل، ومن ثم نجعل القليل من الوقت للعلاقات الاجتماعية الإيجابية، وما تحمله من ترويح للنفس واكتساب الخبرات والمعارف، وتقويم ما يحتاج إلى تقويم عند الإشارة إليه من الثقات المحبّين لنا. ولنا في الإمام الكاظم (عليه السلام) أسوة حَسنة حينما حوّل قضبان السجن المظلم إلى قضبان نورانية، واستبدل ما هو معروف من مآسٍ إلى محراب للعبادة والطاعة والصبر، فكانت الساعات لا تنتهي في الروحانية والتقرّب إلى الله سبحانه، حتى حار به الجميع. فالتغيير وإشعال الشمعة التي تضيء الدرب بأيدينا نحن لا بيد غيرنا، فمَن يريد النور، عليه أن يبذل الجهد لإشعال الضوء، وسيحطّم قضبان التفكير الظلامي ليتمتّع بجمال التفاؤل. ................................ (1) ميزان الحكمة: ج2، ص1111.