رياض الزهراء العدد 84 الشهر الفضيل
مُكتسباتُ شهرِ رمضانَ وما بعدَهُ
شهر رمضان شهر مبارك وهو شهر الله (عز وجل)، له أجواؤه الإيمانية العطرة وروحانيته الخاصة. يتسارع فيه المسلمون إلى عمل الخير والتزود بالحسنات والالتزام بالأعمال التعبدية كلُّ حسب معرفته وقدرته ليغترفوا من فيض هذا الشهر الفضيل، وليتبعوا حاجاتهم الروحانية. فالشوارع خالية من مناظر الأكل والشرب، والمطاعم مغلقة في النهار، وأصوات المآذن تكبّر وتهلّل بالأدعية المأثورة، فالجميع في ضيافة المولى (عز وجل). ونلاحظ توجهاً عاماً من أفراد الأمة الإسلامية إلى ترك أي عمل يخل بصحة الصوم، فالفرد في مراقبة دائمة لتصرفاته ليكسب رضا الخالق، ولكن - مع الأسف الشديد - نلاحظ بحلول ليلة العيد انزلاق الشابات إلى متاهات الذنوب، والرجوع إلى اللامبالاة لبعض تصرفاتهنّ كسماع الأغاني، والتبرج في الأماكن العامة، والتكلم مع الأجانب عبر الشبكة العنكبوتية التي هي من ابتلاءات الجيل الجديد، واللغو في الكلام الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع. ولدراسة هذه الظاهرة سألنا التوجيه الديني النسوي في العتبة العباسية المقدسة عن الشابات اللاتي يلتزمنَ ببعض التعاليم الإسلامية في شهر رمضان ثمّ يهملن هذه التعاليم في بقية شهور السنة؟ فأجابت الأخت إسراء ثامر: جبلت طبيعة معظم البشر على أمر الترغيب والترهيب، وبما أن شهر رمضان مغرياته ورغباته لا يستهان بها من حيث علو الدرجات ومضاعفة الحسنات ومحو السيئات تحاول مجموعة من الشابات اللواتي لا يعتنين كثيراً بتعاليم الدين وما تمليه عليهن الشريعة أن يتجهنَ نحو بعض ما أمرن به من الحجاب، وترك سماع الأغاني، والابتعاد عن المحرمات لتصورهن أن التهاون في الحجاب وبعض الأحكام الشرعية يؤثر في صحة الصيام أو درجته، هذا من جانب ومن جانب آخر إن طبيعة المجتمع في شهر رمضان والمعتاد عليه هو المداومة على الأدعية والأوراد وختم القران.. إلخ، وهذه بعض العوامل المساعدة على استقامة الشابات في شهر رمضان؛ لأنه المؤدي إلى رضا الله (عز وجل)، وإلى الكمال والجمال وهو ضالة المرأة لكن لا تعرف كيف تبحث عنه وأين تلقاه فحافظي أيتها الريحانة العزيزة على ما اكتسبتيه في شهر رمضان، وكوني عند حسن ظن المجتمع بك وإلا إذا هدمتي ما بنيتيه فيه فلا قيمة لما قمت به من الصلاة والصيام والالتزام؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلا تعودي لمزاولة المنكر والاستهانة بالأحكام الشرعية وتعاليم الدين الملقاة على عاتقك، فقيمتك بدينك فلا تتبعي هوى النفس الأمارة بالسوء. ثم التقينا بشخصيتين مختلفتين في الآراء لمعرفة وجهة نظر كلّ منهما، وكان اللقاء الأول مع المدرّسة التربوية رسل كاظم جواد: ماذا يضيف إليكِ شهر رمضان المبارك؟ وهل له خصوصية عن بقية شهور السنة؟ إن شهر رمضان شهر مبارك له روحانية خاصة في نفسي، فهو شهر لا تنافسه بقية الشهور، وتزداد همتي فيه للتزود بالأعمال المستحبة، فأحاول جادة أن استثمر ساعاته لما ينفعني في آخرتي وأحوط نفسي بمراقبة دائمة وخصوصاً الاحتراز من المرض المتفشي في المجتمع ألا وهو الغيبة التي أصبحت الحلوى الخاصة للجلسات النسائية، وأتفرغ فيه لقراءة القرآن الكريم تطبيقاً لقول الإمام الباقر (عليه السلام): "لكلّ شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان".(1)، وأعوّد نفسي على صلاة الليل والأدعية المأثورة، وأحافظ على صلاة الحبوة في يوم الجمعة، وأرجو من الله أن يوفقني لإحياء ليلة القدر فهي مبتغاي في هذا الشهر. وتوجهنا بالسؤال نفسه إلى الأخت (ع – م): فأجابت - وهي موظفة -: في الحقيقة أن سلوكي خلال السنة يختلف عن سلوكي في شهر رمضان؛ لما يتصف به الشهر من خصوصية. فأنا في الأيام الاعتيادية أضع القليل من الماكياج الذي اعتبره مكملاً لشخصيتي، كما أنه يزيد أناقتي ويجعلني أثق بنفسي أكثر على الرغم من تأنيب ضميري؛ لأن ذلك مخالف للشريعة الإسلامية، ولكني أتمنى أن تكون من الذنوب الصغيرة التي أطمع من الغفور أن يغفرها لي ويعفو عني. أما في شهر رمضان فأحاول جاهدة أن لا أضع الماكياج، وأصر على محاربة نفسي في الخلوص بأعمالي، ولا أسمع الأغاني، وأتجه إلى قراءة القرآن والأدعية المأثورة لعلي أغسل ذنوبي التي اكتسبتها خلال السنة. لنجعل من شهر رمضان شهراً للإنابة والتوبة، وطريقاً للتخلص من الذنوب سواء الكبيرة منها أو الصغيرة. فالإصرار على الذنوب الصغيرة من الكبائر، فبعض الذنوب لا تنحصر آثارها في العقوبة البرزخية وإنما تؤدي إلى سلب التوفيق من العبد للكمالات الروحية، ونتعامل مع أنفسنا بحذر لكي لا تتمرد النفس على خالقها، ونتذكر دائماً أننا عبيدٌ لله (سبحانه وتعالى) ولسنا عبيداً لرغباتنا وشهواتنا. وبكبح جماح النفس مرة تلو الأخرى يوصلنا إلى حقيقة العبودية، وترتقي أنفسنا إلى الدرجات العليا التي يطمح إليها أكثر المؤمنين والمؤمنات، فعلينا أن نحافظ على المكتسبات التي حُزنا عليها في الشهر الفضيل، وأن لا نضيعها مع حلول ليلة العيد. فنعيم الدنيا ولذائذها أيام فينقضي، ونعيم الآخرة أبدي جعلنا الله (عز وجل) وإياكم من الفائزين بدرجات النعيم المقيم. ...................................... (1) الكافي: ج2، ص630.