مُهاجِرون.. ما لنا دون الحسين وطن

نور ليث/ رابطة بنات الكفيل
عدد المشاهدات : 94

مجالس الحسين (عليه السلام) هي بيوتنا بعد اغترابٍ طويل، موانئ أرواحنا التي نستظلّ تحتها بعد رحلة العناء، كنتُ أرفع كفّي إلى السماء في كلّ مرة باسم الحسين (عليه السلام)، أدعو الله أن يمنّ عليّ بشرف خدمة زوّاره، وقد كنتُ أظنّها آنذاك أُمنية بعيدة المنال، مستحيلة التحقيق لكنّ الله بكرمِه ولطفه حقّق لي ذلك الرجاء. كنتُ كلّما أرى خادمات الحرم في الصحن الشريف، أجد نفسي أردّد كلمة واحدة تلامس أبواب السماء: "يا ربّ بحقّ المولى أبي الفضل اجعلني خادمة في حرمه، بجاه العبّاس". كانت هذه الكلمات البسيطة تحمل في طياتها رجاءً كبيراً بأن سيُستجاب دعائي: بكرمكَ يا الله، لكنّني في أعماقي كنتُ أشعر بأنّني أقلّ شأناً من أن أستحقّ هذا الفيض من الكرم، كيف أستطيع أن أقايض كرم الله بشيء، وكلّ الخير الذي فيَّ هو منه؟ واليوم، كأنّ روحي فراشة تتنقّل بين الأزهار، أرفع يدي لأقول: السلام عليكَ يا قمر بني هاشم، كأنّني أقول: يا أبا الفضل، هذه أنا التي توسّلت بكَ مراراً وتكراراً. وأنا أقف منتظرة تُقسّم المهامّ على الخدم، سمعتُ صوتاً يناديني: سيّدتي، سيّدتي، لكنّني لم ألتفت في البداية، ظننتُ أنّني لستُ المقصودة، حتى وضعت إحداهنَّ يدها على كتفي، وقالت برفق: هيّا بنا، بدأ وقت الواجب، خذي وشاحاً من ذلك الكيس، ارتديتُ الوشاح بسرعة، لكنّه لم يكن الوشاح الصحيح، قالت لي مرّة أخرى: سيّدتي، ليس هذا الوشاح، خذي الوشاح المخصّص لمهمّتكِ، ارتدينا أوشحتنا، تلك التي تحمل اللون الخاصّ بخدمتنا في هذا المكان المقدّس. لم يكن هناك وقت للبكاء الآن، كان عليّ أن أصمد، أن أتماسك، ثم أعطتني الخادمة الريشة، تلك التي تُستخدم في مسح وجوه الزوّار، وقالت: سيّدتي، خذي هذه الريشة أيضاً، يا الله، ما كلّ هذا؟ هل حقّاً سأكون قريبةً منكَ إلى هذا الحدّ؟ كنتُ أخشى أن يكون هناك خطأ ما، أن يأتي أحدهم ويغيّر مكاني، لكن لم يأتِ أحد، فأدركتُ حينها أنّ هذا هو مكاني، ها قد تحقّق حلمي. بكيتُ، وابتسمتُ، أبكي لفرحةٍ لم أعهدها من قبل، وأبتسم وسط دموعي، لا أحد يرى، فقد كان الخُمار يحجب ملامحي عن العالم. أخذتُ الريشة وبدأتُ بمسح وجوه الأطفال وهم يبتسمون، ذلك الطفل الذي لم تستطع أمّه إيقاف بكائه، امتدّت يداه نحو الريشة الناعمة، وتوقّف عن البكاء. سمعتُ الدعوات تنساب من أفواه النساء الكبيرات، كلّ دعوة كانت كالنسيم تنعش القلب، لكنّها كانت تشتّتني، تضيع الكلمات وتتيه منّي الإجابات. كلّ هذا وأنا أسمع قصصاً تهمس بها الزائرات، قصصاً ملأتها الأحزان والمواجع، أسراراً لا تُكشف إلّا عند أهل البيت (عليهم السلام)، إذ ترتاح الأرواح وتسكن.