تَعدَّدَتْ الأَسبَابُ والشَّقَاءُ وَاحِد

آمال كاظم عبد
عدد المشاهدات : 232

صور كثيرة تتراءى أمامنا حينما نرى نساءً في مجتمعنا ابتلينَ بفقد المعيل والزوج أو عجزه بشتى الأسباب، وفي ليلة وضحاها أصبحن مسؤولات عن أطفالهنّ، وتوفير سبل العيش لهم، فاضطررن إلى النزول إلى معترك الحياة؛ لتوفير ما كان يوفّره الزوج، وساعدهنّ في ذلك إحساس الأمومة الذي أنعمه الله (عز وجل) على النساء مما جعلهنّ يتحدينَ الأخطار، ويتحملنَ ما تعجز عنه الرجال، التقينا بنساء مُعيلات لعوائلهنّ، فمنهنّ مَن ترمّلت، ومنهن مَن عانت من عجز زوجها عن العمل؛ بسبب الإعاقة أو غيرها، جمعهنّ هم واحد بأشكال مختلفة، استحققن هؤلاء النسوة مع بساطتهن أن يكوننّ مثالاً للتحدي والإخلاص والأمانة، وأثبتنَ أن المرأة تستطيع أن تحتمل ما يحتمله الرجال، وإن اختلفت الظروف. لقاؤنا الأول كان مع (أم فاطمة)، وهي أرملة حفرت على وجهها السنينُ أخاديد البؤس والشقاء الذي لازمها منذ أن فقدت زوجها في حادث عارض في أثناء العمل الشاق الذي كان يمتهنه، تقول: منذ أن فقدت زوجي آليتُ على نفسي أن لا أجعل أطفالي يشعرون بألم اليتم، فتحملتُ وما أزال كلّ شيء من أجل راحتهم، فلم أأنف من العمل في البيوت من أجل توفير لقمة العيش لهم خصوصاً أننا لا نمتلك راتباً تقاعدياً؛ لأن زوجي لم يكن موظفاً في الدولة، وكلّ ما نملكه هو راتب الرعاية الاجتماعية الذي لا يكفي لسدّ احتياجات عائلتي المكونة من ستة أطفال وأنا السابعة. ألا يؤذيك العمل في البيوت من الناحية الاجتماعية، والأمنية، والصحية؟ أنا لا أعمل إلا عند الناس المعروفين اجتماعياً، ولا أذهب إلى أيٍّ كان، فمعرفتي الشخصية بالبيوت التي أعمل فيها يمنحني نوعاً من الأمان، ولا تهم نوعية العمل، المهم أنه عمل شريف ومن كدّ يدي، ويغنيني عن مدّ يدي للقريب والبعيد خصوصاً بعد أن تخلّى عنّا الأقارب، فالوضع المادي صعبٌ جداً ويعاني منه الجميع، فتراهم مشغولين بتوفير المأكل والملبس لعوائلهم فقط، أمّا بالنسبة إلى وضعي الصحي، فأنا أعاني من أمراض عديدة، ولكن ماذا أستطيع أن أفعل؟ لا يوجد لديّ خيار آخر، وفي بعض الأحيان يقترح علي ابني الكبير أن يترك المدرسة ليعمل، ولكني لا أوافق على ذلك؛ لأنني أريد لهم الموفقية في مستقبلهم، وأن يحصلوا على شهادات دراسية تمكّنهم من العيش بكرامة. أم يوسف امرأة لديها عشرة أطفال وزوجها عاجز عجز كلي، ولا يستطيع العمل فضلاً على أنه يحتاج إلى توفير العلاج اللازم له، تقول أم يوسف: اضطررتْ إلى ممارسة أيّ عمل شريف؛ لأستطيع توفير احتياجات عائلتي الأساسية، فعملتُ في تقطيع البصل في مطبخ أحد الفنادق بعد أن رّق على حالي صاحب الفندق، وبعد أن لاحظ أمانتي في العمل، ومحافظتي على حجابي، وأوقات صلاتي، دعاني إلى العمل عند زوجته في البيت؛ لأن ذلك أفضل لي بحسب قوله، والحمد لله فهو وزوجته يساعدوني قدر إمكانهم سواء من ناحية توفير الدواء لزوجي أو توفير الملبس لأطفالي وحتى المأكل، وأحمد الله أنهم أناس طيبون، يساعدوني كثيراً ويجعلوني أشعر بأن الدنيا ما تزال بخير. أم إيمان بائعة خضروات، وتعيل ابنتها وأطفالها الخمسة الأيتام الذين فقدوا والدهم في حادث سير، تقول: اضطرت ابنتي إلى العيش معي بعد أن طردها أهل زوجها؛ لأنهم لا يتحملون مصاريفها هي وأطفالها، وعانت ما عانيته أنا في شبابي، إذ ترمّلت وقمتُ بإعالة أولادي، ومن أجل أن لا ترى ما رأيتُ من معاناة قمتُ بالتكفّل بها هي وأطفالها، وكنت أنفّذ لهم كلّ ما يريدون مني بدون نقاش حتى إن أدّى ذلك إلى أن أتعرض للأذى الجسدي، فالمهم لدي هي الفرحة التي أراها في عيونهم وأنا أدخل عليهم بما يجود به عليّ الرزّاق الوهّاب، فهي تنسيني آلامي وأوجاعي، كما أنني أتأسى بسيدي ومولاي إمام المتقين أبي الأيتام، وأتمنى أن يشفع لي لأجل تكفلي هؤلاء الأيتام، في يوم لا ينفع مال ولا بنون. امتلأت قلوبنا بالغصص واغرورقت أعيننا بالدموع من القصص المأساوية التي استمعنا إليها، فازددنا فخراً بأخواتنا اللواتي وقفنَ حياتهنّ رهناً على أولادهنّ، ولم يهزهنَ فقر ولا وهن، بل وقفنَ بصلابة الرجال، وصلادة الجبال، وبقوة الإيمان بالله (عز وجل)، وفعلنَ ما عجز عنه الرجال.