رياض الزهراء العدد 210 أنوار قرآنية
صفات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في القرآن الكريم
وصف القرآن الكريم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأوصاف عديدة في آيات كثيرة، منها سورة (الأحزاب) التي اختصرت صفات النبوة والرسالة، فقال تعالى: )يا أيها النبي إنا أرْسلْناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا࣪ وداعيًا إلى الله بإذْنه وسراجًا منيرًا( (الأحزاب:45ـ46)، تعرضت الآيتان الشريفتان إلى خمس صفات لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي بالترتيب الآتي: 1ـ (شاهدًا): أي شهادته (صلى الله عليه وآله) على أعمال العباد في هذه النشأة وفي يوم القيامة، وقد تقدم في قوله: )وكذلك جعلْناكمْ أمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليْكمْ شهيدًا( (البقرة:١٢١)، وغيرها من آيات الشهادة، فهو (صلى الله عليه وآله) شهيد الشهداء(1). 2ـ (مبشرًا): يبشر المؤمنين بحسن الجزاء، ورضوان الله تعالى عليهم بنعيم الجنان. 3ـ (نذيرًا): ينذر الكافرين، والمنافقين، والعصاة من عذاب الآخرة. 4ـ (داعيًا إلى الله بإذنه): يدعو إلى الدين بإذن رب العزة والجلال. 5ـ (سراجًا منيرًا): وردت لفظة (السراج) في القرآن المجيد (4) مرات، (3) منها بخصوص الشمس، والمرة الرابعة في وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثلما جاء في الآية أعلاه، و(السراج) في الأصل يعني (المصباح) الذي كان يضاء سابقًا بواسطة الفتيلة والزيت، وبواسطة الطاقة الكهربائية وأمثالها في العصر الحاضر، فينبعث ضياؤه ونوره، إلا أنه أطلق فيما بعد على كل مصدر للنور، وإطلاقه على الشمس من أجل أن نورها ينبع من داخلها، ولا تكتسب نورها من مصدر آخر كالقمر(٢)، أي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النور الذي يحجب الظلام والجهل في أمته. وقد ورد تفسير بعض هذه الصفات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه، فقد ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام) أنه قال: "جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسأله أعلمهم فيما سأله فقال: لأي شيء سميت محمدًا، وأحمد، وأبا القاسم، وبشيرًا، ونذيرًا، وداعيًا؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أما محمد فإني محمود في الأرض، وأما أحمد فإني محمود في السماء، وأما أبو القاسم فإن الله (عز وجل) يقسم يوم القيامة قسمة النار، فمن كفر بي من الأولين والآخرين ففي النار، ويقسم قسمة الجنة فمن آمن بي وأقر بنبوتي ففي الجنة، وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي (عز وجل)، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني"(٣). ومما يلاحظ في ترتيب صفاته (صلوات الله عليه) في الآية الكريمة أعلاه وآيات عديدة أخرى بأن صفة البشارة سبقت صفة الإنذار؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو رسول الرحمة، وشريعته شريعة الرحمة، فيبشر المؤمنين بالرحمة قبل الإنذار بالعذاب، باستثناء آيتين في القرآن الكريم سبقت فيها صفة النذارة صفة البشارة، وهي قوله تعالى: )قلْ لا أمْلك لنفْسي نفْعًا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولوْ كنْت أعْلم الْغيْب لاسْتكْثرْت من الْخيْر وما مسني السوء إنْ أنا إلا نذير وبشير لقوْمٍ يؤْمنون( (الأعراف:١٨٨)، وقوله تعالى: )ألا تعْبدوا إلا الله إنني لكمْ منْه نذير وبشير( (هود:٢)؛ لأن الخطاب موجه للمشركين والكافرين، فكانت النذارة أليق بالذكر قبل البشارة. إذًا هاتان الآيتان الكريمتان ذكرتا صفات النبي (صلى الله عليه وآله)، وكونه نورًا تستضيء به الأمة بعد ظلامها، وأي نور استضاء به الكون بولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث أنار وجوده الكريم ذلك المجتمع القبلي الذي كان يتعامل بالربا، ويغير على القبائل الأخرى، ويقوم على التمييز الطبقي، ووأد البنات، فتحول إلى مجتمع يحترم البشر ويجعلهم سواسية كأسنان المشط، ويحترم المرأة ويحفظ حقوقها وكرامتها، ويشجع على العمل والكسب المادي، ويحث على طلب العلم والتعلم، وزرع القيم الإنسانية والأخلاقية في الأفراد، مما جعل من ذلك المجتمع حضارة عريقة سادت العالم، ونشرت رسالة الإسلام في جميع بقاع الأرض. .............................................. (١) تفسير الميزان: ج16، ص٣٢٩-٣٣٠. (٢) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج١٣، ص٢٩٩ . (٣) علل الشرائع: ج١، ص١٢٧.