رياض الزهراء العدد 210 رتاج العلم
(أنْ تعلمن مما علمْت رشْدًا)
قال الله تعالى: (قال له موسى هلْ أتبعك على أنْ تعلمن مما علمْت رشْدًا)( قال إنك لنْ تسْتطيع معي صبْرًا)(وكيْف تصْبر على ما لمْ تحطْ به خبْرًا)( قال ستجدني إنْ شاء الله صابرًا ولا أعْصي لك أمْرًا)( قال فإن اتبعْتني فلا تسْألْني عنْ شيْءٍ حتى أحْدث لك منْه ذكْرًا) (الكهف: 66-70)، في قصة سيدنا الخضر مع نبي الله موسى (عليهما السلام) ذكر القرآن الكريم الكثير من الآداب والالتفاتات المهمة، وحري بالمتعلم المستفيد والمعلم المفيد الأخذ بها والتخلق بأدبها، ويستخلص من الآيات المباركة عدة نقاط، منها: 1- كلام نبي الله موسى (عليه السلام) مع سيدنا الخضر (عليه السلام) من أوله إلى آخره يدل على شدة تواضعه، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المتعلم. 2- أدب نبي الله موسى ولباقته مع سيدنا الخضر (عليهما السلام)، إذ لم يطلب التعلم في صورة الأمر، بل في صورة الاستفهام. 3- سمى النبي موسى (عليه السلام) مصاحبة سيدنا الخضر (عليه السلام) اتباعًا له، وفي هذا التعبير إظهار للاحترام والتبجيل. 4- لم يفرض أو يضع شرطًا لتعلمه، بل قال: (على أنْ تعلمن)، فالخيار بيد الخضر (عليه السلام) في ذلك. 5- عد نبي الله موسى (عليه السلام) نفسه متعلمًا، وهذا ما ينبغي من المتعلم حتى وإن كان ذا علم ومكانة، فلابد من أن يظهر نفسه أقل علمًا أمام معلمه، ثم امتدحه بالرشد. 6- طلب نبي الله موسى (عليه السلام) من سيدنا الخضر (عليه السلام) أن يتعلم منه بعض علومه، فقال: (مما علمْت) ولم يقل: (ما علمت)، أي ليس كل علمه. 7- قد رفع نبي الله موسى (عليه السلام) قدر معلمه، إذ جعل ما يشير عليه أمرًا يأمره، وعد نبي الله موسى (عليه السلام) نفسه لو خالفه فيما يأمر عاصيًا: (ولا أعْصي لك أمْرًا). وأمام هذا الأدب البارع للمتعلم، قابله الأستاذ بأدب، إذ لم يرد طلبه، بل أشار له بنفي استطاعته على الصبر، ثم لما وعده موسى (عليه السلام) بالصبر معلقًا ذلك على مشيئة الله، لم يأمره المعلم بالاتباع، بل خلى بينه وبين ما يريد، فقال: (فإن اتبعْتني)، ثم لم ينهه عن السؤال نهيًا مطلقًا، بل علقه على اتباعه: (فلا تسْألْني)، أي النهي عن السؤال في حال الاتباع، وليس نهيًا عن السؤال في كل حال، إذن لم يغلق عليه باب السؤال(1). ونستفيد من عبارة: (رشْدًا) أن العلم ليس هدفًا، بل هو وسيلة للعثور على طريق الخير والهداية والصلاح(2). ................................... (1) راجع تفسير الميزان: ج13، ص344 - 343. (2) تفسير الأمثل: ج9، ص318.