نسيج من الضياع
يلتصق الهاتف بيد عزيز أمه فلا يفارقه طرفة عين أبدًا، بدأت الحكاية بضحكة ولعب، ثم ما عادت تراه أمه حتى على مائدة الطعام، تنادي بلا فائدة، يأخذه الليل بتفاصيله، ويرقد نهاره من دون اكتراث لمن حوله، حتى اشتد المرض عليها، فوقفت بجانب سريره قائلة: ولدي، اذهب وأحضر لي الدواء، إن دقات قلبي غير مستقرة، وشعوري بالألم لا يطاق. أجابها: نعم أمي سأذهب الآن، لكن مرت الساعات ولم يتحرك من مكانه، نسي واقعه وعاش في مواقعه، فجأة صرخت أخته، ودوى صوت نشيج عالٍ في الدار، رفع السماعة ووضعها بإحكام على أذنيه كيلا يصله صوتها وهو يكلم بعض أصدقائه على مواقع التواصل، مر الوقت ونسيه الجميع، ربما ليس اليوم فقط، بل منذ تلك اللحظة التي بدأ وجوده يختفي من بينهم، وما كان يتذكره أحد سوى أمه. عم السكون طويلًا، وارتدى الليل أعتم ثيابه، ثم دخلت أخته عليه وعلى وجهها علامات التعب وعيناها متورمتان من شدة البكاء، ووجهها محمر من شدة اللطم، فقالت: أما تزال هنا؟ رفع السماعة عن أذنيه وقال: ما بك؟ ألم أحذرك من الدخول إلى غرفتي وأنا مشغول باللعب، ثم نادى: أمي، أمي...ولا من مجيب هذه المرة، فعاد وانتبه إلى وجه أخته، فانقبض قلبه وقام مسرعًا ينادي على أمه، فصدم بتابوت يتمدد وسط الدار وعليه غطاء أمه، فصرخ: لمن هذا؟ أين أمي؟ بكى كل الموجودين وعلا صوتهم إلا صوتها، فأسرع نحو غرفتها، رآها تجلس على السرير وتبتسم، قبل يديها قائلًا: لقد أخفتني عليك، وأسند رأسه إلى قدميها وبكى بحرقة، أخذ يقضم أظافره، ويعض أصابعه مدميًا يديه قسرًا، ثم جلد قلبه وغفا، استيقظ بعد وقت قصير ويد تربت على كتفه ليجد رأسه على وسادة أمه التي تحمل رائحتها، ولم تكن أمه، اغرورقت عيناه بالدموع وصرخ بنشيج يقطع قلب سامعيه: أماه، أماه، ولا من مجيب أيضًا. مرت الأيام وهو منطوٍ على نفسه داخل الغرفة، بريقها اختفى، لا طارق على باب غرفته، فلا أحد يفتقد وجوده، الجميع اعتاد غيابه إلا هي. كتب على مواقع التواصل: جميعكم وهْم، وهي الحقيقة. عودي ليلتفت الزمان قليلًا عودي نرتب للسماء نجومها كي لا يظل بنا المساء ثقيلًا لمرة واحدة اسأليني لأجيبك كل ما قد فاتني يا ماءً سلسبيلًا.