جمرة منْ ذاكرة الشقاء

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 47

ما لي أرى الأفق باكيًا، وقد اتشحت محطات الأنس في مدينتي بالسواد.. وملأت حناجر المآذن بصرخات الأحزان بعد أنْ كانت في كل صباح تناجي من أوجدها وجملها، وتحت أعتاب ضريحها المقدس تنحني لمنعمها.. واليوم أراها قد شهقت بآهات صامتة، زمجر بركان ألم يصهر قلوبنا المكلومة التي تحاول أن تواري حزنها في شروخ الروح التي لم تندمل على الرغم من توالي السنين.. وكلما اقتربت من ساحه قدسها، انتابني شعور المغلول بشجون الإرادة، وتضيق روحي برعشة المتوجس خوفًا من نوائب الزمان أن تصفعنا بأكف المحن.. أخشى أن تجتاح نوبات الحزن دهاليز مدينتي المفخخة، فتنفجر فيها قنابل الألم وتتعلق بأسوار الانتظار اليائس؛ فقد تفنن الزمان في قتل الروح فيها، حتى فاضت فيها جزر اللوعة والشقاء، وشحت فيها غيمات الفرح، وسقيت من مرارة الأسى.. لكنها بقيت شامخة، تبحث عن أقمارها الذين أناروا فيها عتمة الطريق، وظلت شامخة، في نسائمها سحر يروي الظمآن، ويسعد المهج.. لكنها اليوم قد احترقت في لظى حرمان فاق ألم صبرها؛ فقد مرت ذكرى شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عليها، فخارت قواها، وتركت شموخها المحطم يستغيث.. فتلك نكبات الماضي جعلت جراحها تتوضأ بماء مالح، زاد من آلامها الدفينة بين تجاعيد روحها المكسورة، وأنين مساكنها الحزينة.. وانهارت كل أعمدة الحق عندما احتضر النور بهدوء، وتعطرت سامراء برائحة الموت المغدور في سم (المعتمد) الملعون؛ لتعلن مواجع الفقد التي أدمت قافيتها بتراتيل حزينة لآيات الردى التي عمت المكان، تزف للقبر أزهارًا تودعها؛ ولتدفن الحياة في أرض الشهداء إلى جنب الإمام علي الهادي (عليه السلام).. فقد على فقد، وصار الفقد يسطر على جبين الزمان سر من رأى الشهادة، والشهيد خير عنوان.. صبرًا سامراء، امسحي الدمع الذي بلل مناديل غربة الروح، فجعبة الذكريات المحزنة دروس من كراسات الأيام، هي نفسها ستبني أسس صبرك، وتشيدها عزيمةً وتحديًا لتستجمع أنفاسك التائهة بين دروب الخذلان..