نفير الذكريات

زينب ناصر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 117

في حياة كل الأسر هناك الكثير من اللحظات الجميلة التي تخلد في الذاكرة، لحظات لا يمكن أن تتكرر، وقد نعبر عنها بالومضات التي تمر سريعًا، مثل الضحكة الأولى للطفل، إلى حفل التخرج من الجامعة، بعضها لطيف وعاطفي إلى درجة تثير فينا الرغبة بالبكاء! قال أحدهم: عندما ولدت ابنتنا، احتضناها لمدة طويلة، لقد كانت مشاعر مؤثرة وغريبة بشكل لا يصدق، كانت تلك من أكثر اللحظات ذات المغزى في حياتي، وجودها أغرقني في رهبة جلال الله تعالى. وقال آخر: من أكثر اللحظات سحرًا في حياتي كانت ضحكة ابني (علي) لأول مرة، كان عمره شهرين تقريبًا، وهو يمسك قدميه الصغيرتين بيديه، عندما نظرت إليه فتح فمه الصغير بلا أسنان، وضحك بصوت عالٍ وسقط على جانبه. شراء الدراجة: يتذكر أحد الشباب اللحظة التي فاجأه جده بتحقيق رغبته عند إهدائه الدراجة التي طالما حلم بامتلاكها، يقول (مهدي): كنا في السيارة عندما اجتزنا محل بيع الدراجات في حينا، فأشرت بإصبعي الصغير أقول لأمي: انظري! ما تزال في مكانها، لم يشترها أحد، سوف تباع غدًا أو بعد غد، وفجأة أوقف جدي السيارة ودعاني إلى النزول، كنت متفاجئًا إلى درجة لم أقو معها على الكلام، كانت لحظة ممتعة أشعر بجمالها حتى الآن. بينما يقول أحد البحارين عن ذكرياته: عندما كنت أعود من السفر، كان أطفالي يركضون نحوي، تملؤهم بهجة اللقاء، وتلتمع أعينهم من السعادة، يهتفون بفرح، فأغرق في فرحهم ويزيلون التعب عني. كذلك يحتفظ الأطفال بالذكريات الجميلة التي أسعدتهم في مسيرة حياتهم، كالفوز في الألعاب بعد الإخفاقات المتكررة، الفرح بزيارة الأقرباء والاستمتاع باللعب مع أولادهم، طبخ الأكلات المفضلة وصنع حلويات العيد، تعلم المهارات كقيادة الدراجة لأول مرة، والحصول على المكافآت في المدرسة. صناعة هذه المواقف تحتاج إلى مهارة لابد من تنميتها والاهتمام بها، بخاصة في حياة الأطفال؛ لأنها تترك آثارها الإيجابية وتؤثر في سلوكياتهم ونمط تفكيرهم. احذروا مبيد الذكريات: من أكثر المخاطر التي قد لا تبدو واضحة، لكنها تظهر مع مرور الزمان وتتخذ شكلها الجلي في المستقبل، هي فقدان الذكريات بسبب الإدمان على الأجهزة الإلكترونية، والانشغال الدائم بالنقر فوق شاشات الجوال وغيرها من الأدوات التي تأكل الفرص وتبيد اللحظات الجميلة، هل فكرنا ماذا سيتذكر أبناؤنا عندما يكبرون؟ هل شاهدوا ضحكات الجدات، أم فاتهم ذلك وقد ارتحل الأجداد؟ هل شموا روائح الأطعمة وتلذذوا بها؟ هل مارسوا هواياتهم برفقة الأصحاب والأقارب؟ هل تشاجروا مع بعضهم وتعلموا مهارات الغفران والتسامح؟ هل شاهدوا التعب في عيون الآباء وحبات العرق على جباههم؟ هل جربوا متعة القفز في مياه النهر في يوم صيفي حار؟ كل هذه التجارب الساحرة التي تتجمع كالقطرات لتغذي أصولنا وجذورنا، وتهبنا الأمل والتفاؤل من أجل قادم أفضل، لن يجربها أبناؤنا إذا ما بقوا راكدين في عوالمهم المجازية غير متجاوبين مع حركة الحياة الحقيقية.