فنارات مضيئة
من عظمة نور الله تعتلي باسقة شجرة الإمامة؛ لتبعث في نفوس الناس ألقًا متوجًا بالهداية، والعلم، والمعرفة، ولتبدد ظلام الجهل والعناد. خرجت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) علماء أكفاء ليبثوا العلم في مختلف الصنوف والمجالات؛ وليردوا بعلمهم الشبهات التي تطرأ على الأجيال، والتي تعمي أفئدة أصابها الذهول والإمحال، ومن هذه المدرسة نهض فرسان يبارزون ويدافعون عن البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وذلك بالرد على شبهات المتعنتين والمعاندين. ومن هؤلاء الفرسان (هشام بن الحكم) الذي برع في علم الكلام، وكان يدافع عن الإمامة ونهجها بالقلب، واليد، واللسان، فتبوأ من الإمام الصادق (عليه السلام) المكانة العالية، فقال عنه: "هشام بن الحكم رائد حقنا، وسائق قولنا، المؤيد لصدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، من تبعه وتبع أثره تبعنا، ومن خالفه وألحد فيه، فقد عادانا وألحد فينا"(1)، وهذه الشهادة من الإمام (عليه السلام) بحق (هشام) تدل على أن الموالي إذا ما أخلص في ولائه للإمام، ودافع عن الإمامة باعتقاد راسخ ويقين تام، فهو يقف في صفوف الرجال الأتقياء الأوائل المدافعين عن الحق، الناصرين للأئمة (عليهم السلام). وفي خضم رواج ظاهرة الترجمة في المجتمع الإسلامي آنذاك، وتوافد العلوم المختلفة من اليونان والبلاد الأخرى، تعرف المسلمون على أصول الفلسفة، فأصابتهم حالة من الضياع، ولم يعرفوا كيف يردون على هذه العلوم الدخيلة عليهم من الثقافات المختلفة، البعيدة عن منهج القرآن الكريم والعترة الطاهرة، فبزغ نجم (هشام بن الحكم) الذي تصدى للإجابة عن الأسئلة الفلسفية ومغالطاتها، فكان اللسان الصادق الذي يذب عن الدين وأهله. والإمام الصادق (عليه السلام) يرشدنا إلى أن نتعلم العلوم، لتتأصل فينا مبادئ الإسلام، فنرفع بذلك رايته عاليًا، وندافع عنه بمختلف الأسلحة، فلا تبقى مسيرتنا بلا هدف ولا شراع، أو من دون أن تكون لنا حجة بالغة في المناظرات العلمية والتساؤلات الفلسفية التي تضطرب لها أفئدة العديد من المسلمين. وفي يومنا الراهن، أخذت تنتشر الشبهات، وتحاصرنا المغالطات في مختلف المجالات لاسيما في مسألة الإمامة، فتصدى تلاميذ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الذين كانوا ينهلون من معينه العذب، إلى ترويج أحاديثه ومحاسن كلامه بين الناس، فإذا أقبل شخص إلى الإمام ليسأله عن مسألة ما، كان الإمام الصادق (عليه السلام) يوجهه إلى أحد أصحابه ليعرفه على الإجابة الشافية، فيتخرج ذلك السائل في جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) مدركًا لعظمة ذلك العلم وأصوله وفروعه. جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) جامعة لأصناف العلوم، كعلم الكلام الذي يتناول أحقية الإمام في الخلافة، ووجوب طاعته ولزوم اتباعه. .............................. (1) هشام بن الحكم، للشيخ عبد الله نعمة: ص73.