رياض الزهراء العدد 84 كيف تكونين مثلها؟
كيفَ أكونُ مِثْلَكِ مولاتي
تتمنى أغلب النساء أن تصل إلى ما وصلت إليه رساليات التأريخ من تثبيت الدعوة والنبوة والوصول إلى الكمال المنشود الذي حققته الرساليات مثل السيدة هاجر، والسيدة سارة، والسيدة أم البنين رضوان الله عليهنّ، ولا نذكر مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) لرفعتها ومكانتها؛ لأنها المعصومة بالعصمة الكبرى، كيف لنا الوصول إلى تراب نعلكِ يا فاطمة (عليها السلام)..، لذا إذا أردنا أن نذكر السيدة المعصومة لا نقول: كيف نكون مثلكِ؟ بل نقول: وكيف لنا الوصول إلى معرفة قدركِ مولاتي. قد نتحجّج ونقول: كيف نكون مثل السيدة سارة، وقد هُيِّئ لها ما لم يُهيَّأ لنا؛ لأنها زوجة النبيّ إبراهيم (عليه السلام)، أو كيف نصل إلى أمّ البنين (عليها السلام) وهي زوجة الإمام علي (عليه السلام)، أو كيف نكون مثل مولاتي زينب (عليها السلام) وهي بنتُ إمامٍ وأختُ إمامٍ، ولكن تغافلنا عن أن العلاقة بين شخصية المرأة والمجتمع هي علاقة تبادلية، فهي تأخذ منه وتعطيه، فالمرأة الرسالية عليها أن تستفيد من بيئتها، وصفاء ذاتها، وبناء شخصيتها، فلا عذر لنا أن نتحجّج.. فيا أمّ الزهراء، مولاتي يا خديجة، فدتك نفوسنا، أنتِ قدوة الرساليات، فأنّى لنا والاقتداء بك؟ وأنتِ من هيّأت نفسها للرسالة، وبذلت وأعطت كلّ شيء من أجل إقامة دعائم الدين، أنتِ مَن كانت سيدة قومها من حيث شرف النسب، والطهارة، والجمال، أنتِ صاحبة الثراء والتجارة في مصر، والحبشة، والشام، ورحلتَيْ الصيف والشتاء، أنتِ مَن كان يخطبها سادة العرب وقريش، وأنتِ أنتِ مَن تركت كلّ هذا وباعت الدنيا بما فيها وشرت مرضاة الخالق، وأتّبعت ذاك الرجل الذي بانت عليه علامات النبوة والرسالة، وإن كان فقيراً وغيرَ موسر، وضّحت من أجله بكلّ ما تملك من المال والجاه، وتحمّلت مصاعب الحصار في شِعب أبي طالب لسنوات عِجاف، فتحمّلت الجوع، والفقر، وقلة الراحة التي كانت متاحة لها.. من أجل أن ترفع راية الحق، وتدحض راية الباطل والضلال؛ لأنها عرفت وميّزت أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) الذي يُدعى بالصادق الأمين هو سبب كمالها وقربها إلى الخالق، ووصولها لمرضاته، فأتعبت نفسها؛ لكي تصل إلى الغاية المنشودة، ولم تتكاسل، ولم تعتمد على مالٍ ولا جمالٍ ولا نسبٍ، لكن بحثت وسعت لتساهم في صناعة مجتمع كان بأمس الحاجة إلى تضحيةٍ كهذه حتى ينهض، وهذا ما أشاد به رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما قال: “..آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس..”(1)، وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله): “قام الإسلام بأموال خديجة، وسيف علي بن أبي طالب”.(2) وأنتِ مَن لُقّبت بالطاهرة؛ لأنك ترفّعتي عن سلوكيات الجاهلية التي سلكتها معظم نساء الجاهلية حتى سيدات قريش؛ لذا عُيّر الرجال بأمهاتهم، فأحدهم قيل له: ابن النابغة، والآخر: ابن آكلة الأكباد، وهكذا كانت أمهات هؤلاء، أمّا أنتِ مولاتي، سُمّيتِ بالطاهرة في عصر الجاهلية، وهذا الوصف - الطاهر -ينسجم مع عقيدتنا نحن الإمامية، وذلك بأن سلسلة آباء الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) وأمهاتهم كلّهم مؤمنون موحّدون إلى آدم (عليه السلام)، وهذا ما شهد به الإمام السجاد في خطبته المعروفة في مجلس يزيد حيث قال: “..أنا ابن قليلات العيوب، نقيات الجيوب..”(3) وأوضح مصداق لتلك الأمهات هي السيدة خديجة (رضوان الله عليها) والسيدة الزهراء (عليها السلام). وفي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المعروفة بزيارة وارث التي وردت عن إمام معصوم نجد فخراً بأمومة السيدة خديجة للإمام (عليها السلام) حيث قال: “السلام عليك يا بن خديجة..”(4) فأيّ منزلة لكِ مولاتي حتى يفتخر بالانتساب إليك إمام معصوم.. فكنتِ يا مولاتي من نعم الله على رسولهِ لأنك تمثّلين البيت الهادئ الذي يؤدب إليه خاتم الأنبياء من تعب القوم وعنائهم وثقل الرسالة وعبئها، فأحزنتْ وفاتك الرسول (صلى الله عليه وآله) وتركتِ الأثر في قلبه الطاهر، وفطرتِ فؤاد الزهراء (عليها السلام)، وسمّى الرسول (صلى الله عليه وآله) العام الذي توفيت فيه عام الأحزان؛ لفقدانه عمودين من عُمُد الدين، عمّه أبا طالب (رضي الله عنه)، وحليلته السيدة خديجة (رضي الله عنها) بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي (وبنو أسد بطن من بطون قريش)، فقد توفيت في العاشر من شهر رمضان في العام الثالث قبل الهجرة، وفارقت روحها الطاهرة الحياة وهي في بيت من بيوتات الوحي، وفي أرض مكة، ومرقدها الشريف اليوم في مقبرة الحجون قرب مكة. خاطبناك مولاتي، فلنسأل أنفسنا ماذا اكتسبنا من نورك حتى ندّعى بأنك قدوة لنا؟ هل سلكنا طريقك؟ وهيّأنا أنفسنا حتى نكون بارّات بالوالدين، أو نكون زوجات صالحات مضحّيات من أجل المساهمة في بيت وأسرة تخدم المجتمع وتسير به نحو الكمال، حتى نكون سبباً في تثبيت قواعد وأرضية صالحة لظهور الإمام الغائب أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، مثلما هيّأت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله). فإن ادعينا أننا اقتدينا بكِ إذن ما بال المجتمع يسير نحو الانحطاط والهاوية؟ حيث انتشر الفساد، وهان الحرام، وهُجِر القرآن، وتزيّن الباطل، وما بال النسوة والتبرّج وقلة الحياء؟ ما بال الرجال وقلّة الغيرة والحميّة.. وإذا قلنا لم نقتدِ بكِ إذن فلْنطأطئ رؤوسنا حياءً وخجلاً منكِ، ومن صاحب الرسالة؛ لأننا نُسبنا وسُمّينا باسمه - أمة محمد (صلى الله عليه وآله) - ولم نقتبس من أنوار بيته. مولاتي أنتِ من نعم الله (عز وجل)، إذ منّ بك علينا، ونحن محاسبون يوم العرض على النعم.. وادّعينا بأننا اتبعناكِ، فخذي بأيدينا.. ............................... (1) السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): ج1، ص207. (2) أعيان الشيعة: ج1، 220. (3) مناقب آل أبي طالب: ج3، ص178. (4) الكافي: ج4، ص577.