رياض الزهراء العدد 210 استطلاع رأي
القرآن الكريم بين الحفْظ والأثر
كتاب الله ومعجزة رسوله الخالدة الذي جعل تبيانًا لكل شيء، بين الماضي والحاضر مدارس القرآن وحفظته في بلاد المسلمين قد ازدادت وتنوعت أساليبها، لكن هل نجد التخلق بأخلاق القرآن ظاهرًا في المجتمعات؟ فحال المجتمعات الإسلامية ما تزال إلى يومنا هذا بحاجة إلى تعاليم القرآن الكريم في تفاصيل حياتها؛ لتعيش حياة كريمة، فهل أثر القرآن الكريم فيمن يحفظه وفي شخصيته؟ وهل شمل هذا التأثير غيرهم؟ في هذا الصدد استقرأنا آراء بعض الأساتذة والقراء: فتحدث م.د ميثم الكاصد/ أستاذ في قسم الدراسات القرآنية في جامعة كربلاء عن تأثير القرآن الكريم في الحافظ، وقال: ربما يتساءل بعضهم: هل هناك فوائد دنيوية لمن يحفظ القرآن الكريم؟ لقد أثبتت عدة دراسات علمية حديثة، التأثير الكبير لحفظ القرآن الكريم في الصحة النفسية والجسدية للحافظ، وأكدت الدراسات نفسها على أنه كلما ارتفع مقدار حفظ القرآن الكريم ارتفع مستوى الصحة النفسية عن طريق (4) أبعاد رئيسة هي: البعد الديني، والنفسي، والاجتماعي، والجسمي، وتميز الطلاب الذين يفوقون نظراءهم بالحفظ بكونهم أفضل منهم على مستوى الصحة النفسية بفروق واضحة، مثلما أكدت دراسات أخرى على دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لدى طلاب المرحلة الابتدائية، والأثر الإيجابي لحفظ القرآن الكريم في التحصيل الدراسي لطلاب الجامعة، كذلك بينت الدراسات آثار حفظ القرآن الكريم في الصحة النفسية للأفراد وفي شخصياتهم، وتمتعهم بمستوىً عالٍ من الصحة النفسية، وبعدهم عن مظاهر الاختلال النفسي قياسًا بالأفراد الذين لا يلتزمون بتعاليم الدين، أو لا يحفظون شيئًا من آيات القرآن الكريم، أو يكون حفظهم لعدد يسير من الآيات والسور القصيرة. ونتيجةً للأثر الإيجابي لحفظ القرآن الكريم، أوصت هذه الدراسات بالاهتمام بحفظه كاملًا للدارسين والعاملين في المؤسسات التعليمية؛ لتأثيره البالغ في كثير من مناحي حياتهم وتحصيلهم العلمي، والامتثال لأوامر الله تعالى، وذلك لأن القرآن من أهم أسباب الوصول إلى مستوى عالٍ من الصحة النفسية. من أهم فوائد حفظ القرآن الكريم في الحياة الدنيوية: صفاء الذهن، قوة الذاكرة، الطمأنينة، الاستقرار النفسي، الثقة بالنفس، السعادة، التخلص من الخوف، والحزن، والقلق، تقوية البيان، واللغة العربية، والمنطق، التمكن من الخطابة، تطوير المدارك، القدرة على الاستيعاب والفهم، فقد قال تعالى: )بلْ هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا الْعلْم وما يجْحد بآياتنا إلا الظالمون( (العنكبوت:49). فوائد حفظ القرآن الكريم في الآخرة: وهي أعظم من الفوائد الدنيوية، منها الفرح بلقاء الله تعالى، الفوز بالرضوان والنعيم المقيم، القرب من الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام). وأوضح القارئ علي العكراوي/ مدرس المقامات القرآنية في العتبة العلوية المقدسة قائلًا: يؤثر حفظ القرآن الكريم تأثيرًا إيجابيًا في الفرد لكونه يحفظ كلامًا ليس من قول البشر، بل كلامًا منزلًا من الباري (عز وجل)، وهذا الكلام يؤجر عليه وينال ثوابه، ويؤثر بالتأكيد في صحة الإنسان النفسية والجسدية، ويجعل له نظامًا وانضباطًا في سلوكه وشخصيته وتصرفاته، وهذا ما وجدناه بالتجربة. وبينت القارئة والحافظة آلاء علي المولوي أثر حفظ القرآن الكريم في شخصيتها بقولها: أثر حفظ القرآن الكريم في كثيرًا، وتغيرت شخصيتي، فقد كنت خجولة جدًا ولا أستطيع مواجهة الناس والتحدث إليهم، أما بعد مسيرتي مع حفظ القرآن، فقد زادني قوة لمواجهة الناس والحديث معهم، وزادني قوة في ذاكرتي، مثلما أكثر من محبتي للدين وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، كذلك قوى في البيان واللغة؛ لأنه جاء بلسان عربي مبين، وأثر حتى في حالتي النفسية، إذ منحني الطمأنينة والاستقرار النفسي. فيما قالت القارئة والحافظة رقية علي: الحمد لله كان ولم يزل للقرآن الحكيم أثر دائم منقطع النظير في حياتي وظروفها، فعلى الرغم من مشقة الطريق، إلا أن الذكر المبين خفف عني، وجعل أوقاتي وحياتي مباركة، فمن آثاره التي لا تعد ولا تحصى أنه كان سببًا رئيسًا في صقل شخصيتي، وزيادة مكارم الأخلاق عندي، فمذ بدأت بحفظه والبركة والخير تحفني بفضل الله سبحانه وتعالى والعترة الطاهرين (عليهم السلام)، ثم إن للقرآن أثرًا كبيرًا من حيث تهذيب اللسان وتعويده على الخير وترك الخنا، وبذلك نطبق حق اللسان من دون أن نشعر، وكذلك الحافظ مشغول الوقت، لن يكون مصداقًا للحديث الشريف: "إن الله يبغض العبد النوام الفارغ"(1). إن حفظ القرآن ليس مجرد القراءة، بل حضور القلب هو الأساس، فلن يتحقق كل ما أسلفنا إلا بحضور القلب وخشوعه لآيات الله تعالى، فحفظ القرآن الكريم تأثيره في الروح أعمق بكثير من أن يوصف، وتأثيره الأكبر في تزكية النفس والمضي بها نحو العلا برضا الله تعالى، وتحقيق رسالته التي خلق الإنسان من أجلها، أما من جهة التغيير، فقد أكد علم النفس والأبحاث العلمية التي تجرى في زمننا على تأثير القرآن الكريم الكبير في أطباع الشخص وتغييره إلى الأفضل؛ ليتسامى الإنسان ليكون أفضل من الملائكة، فمن الطبيعي أن نجد هذا الأثر للقرآن الكريم، فهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. نحتاج اليوم إلى أنْ يظهر نهج القرآن الكريم لجميع الناس، ويلاحظوا أثره العظيم في النفوس، ويكون حافظه خير داعٍ إليه، ومبينًا لتعاليمه عبر العمل به، فيتحقق الأثر في المجتمعات، ويتحسن حالها إلى خير حال. ........................... (1) الكافي: ج5، ص84.