الصفات الخبرية
قسّم علماء الكلام الصفات الإلهية إلى قسمين: الصفات الثبوتية، والصفات السلبية*، وتُقسّم الصفات الثبوتية إلى ذاتية وفعلية، لكنّ هناك اصطلاحًا آخر يختصّ بأهل الحديث في تقسيم صفاته سبحانه، فهم يقسّمونها إلى ذاتية وخبرية، والمراد من الأولى هو الصفات الكمالية، كالحياة، والعلم، والقدرة، وأمّا الثانية فهي تلك الظواهر التي أخبر الله (عزّ وجلّ) عنها في كتابه الكريم، وأضافها لنفسه، كاليد والوجه، والعين، كقوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:115)، وكقوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ (الفتح:10)، وقوله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ (المؤمنون:27)، وغيرها من الآيات الواردة في القرآن الكريم، والسؤال الذي يطرح نفسه أمامنا تجاه هذه الصفات التي يصطلح بعضهم عليها بالصفات الخبرية، هل أنّ لله (عزّ وجلّ) يدًا فعلًا، وساقًا، ووجهًا، وأعينًا وأرجلًا، أو أنّه يوجد لهذه الآيات تفسير آخر؟ إنّ هذه الآيات وأمثالها من الآيات المتشابهة التي يجب تفسيرها على ضوء المحكمات التي هي أمّ الكتاب، إذ إنّ العمل بالمتشابهات وفصلها عن المحكمات، يؤدّي إلى الانحراف والزيغ، وقد قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ (آل عمران:7)، فمثلًا قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طه:5) لا يجوز فهم الاستواء بمعناه العرفي وهو الجلوس، إذ إنّ الاستواء يكون بمعنى الجلوس، وبمعنى القدرة والاستيلاء، ولا يجوز الأول على الله تعالى بدليل المحكم وهو قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (الشورى:11)، فالاستواء على العرش كناية عن الاحتواء على المُلك، والأخذ بزمام تدبير الأمور وهو فيه تعالى على ما يناسب ساحة كبريائه وقدسه، ظهور سلطنته على الكون، واستقرار ملكه على الأشياء بتدبير أمورها، وإصلاح شؤونها. وقد ورد في الروايات المتواترة عن أئمتنا (عليهم السلام) تفسير هذه المتشابهات والظواهر على خلاف ما يتبادر إلى أذهان العوام من التشبيه والتجسيم، فقد روى الصدوق بسنده عن أبي حمزة، قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ (كلّ شيء هالك إلّا وجهه)، قال: "فيهلك كلّ شيء ويبقي الوجه، إنّ الله عزّ وجلّ أعظم من أن يُوصف بالوجه، ولكن معناه كلّ شيء هالك إلّا دينه، والوجه الذي يُؤتى منه"(1). ومنهج الشيعة الإمامية تبعًا لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) هو عدم الأخذ بظواهر هذه الصفات وإثباتها على نحو المجاز، أي حملها على معانيها اللغوية من باب الكناية عن مفاهيم عالية. ...................... * الصفات السلبية (الجلالية): هي الصفات التي يجب سلبها عن الله تعالى؛ لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله تعالى، من قبيل: الاحتياج، التركيب، والتجسيم. (1) توحيد الصدوق: ص١٤٩.