"هاتي وسلي عما بدا لك"

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 795

من سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) نستقي علمًا وهديًا، فنتعلّم كيف يكون تعامل العالم (المعلّم) جاذبًا للحثّ على السؤال والاستزادة من علومه؛ فقد قامت (عليها السلام) بمهمّة التعليم؛ إذ كانت المعلّمة، والمربّية، والمرجع للنساء، فكنَّ يلجأنَ إليها في بيان أحكام دينهنَّ، وتحديد وظائفهنَّ الشرعية. وقد كان لهذا التعامل دور في جذب هؤلاءِ النسوة للنهل من علومها، والرواية التي بين أيدينا دالّة على ذلك؛ فقد رُوي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال: "حضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليكِ أسألكِ، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثنّت، فأجابت، ثم ثلّثت إلى أنْ عشّرت، فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليكِ يا بنة رسول الله، قالت فاطمة: هاتي، وسلي عمّا بدا لكِ، أرأيتِ مَن اكترى يومًا يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت: لا، فقالت: اكتريتُ أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤًا، فأحرى أنْ لا يثقل عليَّ، سمعتُ أبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحشرون، فيُخلع عليهم من خِلِع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يُخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور..."(1)، يُستخلص من الرواية الشريفة الآتي: 1ـ عرض السؤال من السائلة بأدب بارع، قُوبل من السيّدة الزهراء (عليها السلام) بحثّها على السؤال والاستزادة، قائلةً: "هاتِي، وسَلِي". 2ـ الخجل الذي أبدته السائلة لكونها قد أثقلت على السيّدة الزهراء (عليها السلام) بكثرة الأسئلة، وفي المقابل عدم سأم السيّدة الزهراء (عليها السلام) من تعدّد الأسئلة ما دامت ابتلائية، وضرورية، ومادامت الإجابة تبصرة للآخرين، يدلّ على رحابة صدر سيّدة النساء (عليها السلام) لاستقبال الأسئلة المتعدِّدة، ويكشف عن مدى حرصها على أداء أمانة العلم، وهمّ تعليمه للآخرين. 3ـ اعتذار السائلة من السيّدة الزهراء (عليها السلام)، وجوابها (عليها السلام) بنفي المشقّة والتعب في أمر التعليم، واستشهادها بكلام رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عن دور العلماء. إذًا، احتوت الرواية الشريفة على مضامين عالية من أخلاق السائل والمسؤول، وآداب السؤال والجواب، وهذا أنموذج واضح من المعصومين (عليهم السلام) علينا اتّباعه. .................................. (1) بحار الأنوار: ج2، ص3.