رياض الزهراء العدد 78 منكم وإليكم
مِن بعدِكَ.. يَا أبي
مَن أنا في هذه الحياة من بعدك يا أبي؟ أنا وردة نُزعت من أصولها، فلم يبقَ من أيامها إلا الذبول، وما الأيام من بعدك إلا لدغات غدر ممن ظننتهم أحبائي، وصفعة على خدّي، لن تجد يدك الحنون كي تمسح آثار ألمها، وما الحياة بعدك إلا قلب اضطربت نبضاته شوقاً إليك وحزناً عليك، وروح تبحث عن رائحة الأبوة. من بعدك ما أنا إلا أنشودة حزينة تتصنّع الفرح بألحان سعيدة. كم قالوا لي: الأيام تطوي الأحزان ولكن...حزنك لم يُطوَ, بل أصبح سجادة حمراء تُفرش على شرف أحزاني كلّما هبّت عاصفة دموعي النازفة عليك. أبي الحبيب: لم أعترف يوماً بضعفي إلا حينما شعرت بأني مجرد قارورة زجاجية تحولت إلى شظايا لحظة سماع نبأ رحيلك، لم أصدق, وانطلقت أصرخ بأعلى صوتي, وكنتُ أريد أن يخترق صوتي المفزوع المسافات التي تفصل بيننا ويصل إليك لعلي أقلق روحك الراحلة فترجع إلى الحياة، فتحظى روحي المضطربة من هول الفاجعة بلحظة وداع أخيرة، لعلها تهدأ قليلاً وتعترف بأن لا لقاء من بعد اليوم، وأنه من الآن لا حيلة لها للقائك إلا بارتياد متحف الذكريات.