غيابٌ قلقٌ

رحاب حسين العريفاوي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 124

استيقظت على تلاشي الخطوط الزرقاء من رسائل الأحلام غير المقروءة ما إن تسللت أشعة الشمس من الكوة بخلسة، تداعب أجفانها الذابلة من سفر السهر الطويل، حشدت بنفس متقطع جميع قواها لتدير عينيها نحو الساعة، ثم تذكرت لوهلة ماذا تعني معرفة الزمن في الوقت الضائع، تحاول التوسل بنصف الذاكرة التي تمتلكها بأن تجتذب شيئا من أثره، شيئا ما يجعلها تبلع الغصة الراقدة على حدود حنجرتها المتصلبة بالأوهام المكبوتة، عشرات من الكتب والأوراق المتراصة تفيض بأخباره الوردية؛ لتروي لها حالات زمانه ومكانه، هيأته وصفاته، تتدحرج صوره في مخيلتها تدريجيا، فتنهمر الآمال المتكسرة من عينيها بلا هوادة، فتشد بيدها على حافة السرير لتقتل الأنين المتراكم في قفص صدري خالٍ من القلب. تتأمل من خلف نافذة صماء لتلمح أعشاش الطيور، فيعصف بباحة ذاكرتها صخب الجلسات الندية والضحكات المشرقة، والأنفاس المختلطة في رئة واحدة، تتبع آثاره في مختلف الجهات، ثمة رائحة خاصة تأخذها كل مرة نحو طريق، تحلل وتدقق، تتعمق بالتفاصيل كافة، ربما امتلكت مؤخرا القدرة على تمييز روائح القدر، في كل لحظة يخبرها هاجس ما أن أمرا قد حصل، سيطوي لحظات العتاب، لم تكتف من الذهاب والإياب والدوران، لقد تورمت قدماها وهي تتبع الخيال كالمجانين، يبدو أن الكثير من الأسرار لا يدركها غير الأوفياء من العشاق. ـ هل ستبقى على هذه الحال، تتلبد في الزوايا باحثة عن لا شيء؟ ـ لا تقلقي، إنه أمر مؤقت، إن قلوب الصغار تسلو سريعا. ـ وهل تظنها كباقي الصغار يا أخي؟ لا يمكن أن تدرك صوتا في هذا الكون أوفى من صوت الحب بآذان القلب الخضراء. بطراوة الخطوات تداري بإبر الصبر الأوجاع الخفية، وفي الليلة التي ظنت أنها اقتربت من النهاية، غاصت في أروقة الرؤى المتلألئة بالألوان البراقة، والأضواء الخاطفة، قوة خفية تسربت إلى أعماقها المشتتة، فزرعت فيها قلوبا بيضاء حديثة الميلاد، ظل بصورته الخاطفة، مسح على جبهتها كأنه يقوم بعملية استبدال سريعة، همس في أذنيها بخفوت شديد فأيقظها على محطات أمل جديد. لم تكن تلك الليلة عادية، فمع بزوغ شمس سنتها الجديدة، عزمت على أن تتوهج لتوقد اسمه في كفها الخضراء، حملته أنفاسها في مختلف الظروف، لم تغمض عينيها عنه، فقد تجلى لها في كل شيء، وارتسمت لها صورته في وجه المصاعب، حتى رفرفت به وسط محافل التكريم.