تَحقِيقُ الأَحلَام

د. هناء حطاب جميل/ المفرزة الطبية في العتبة العباسية المقدسة
عدد المشاهدات : 143

لم أعرفها أولاً، فقد بدت أكبر من عمرها بكثير ومتعبة ،تبدو عليها علامات الفقر والحاجة، دخلت الغرفة وهي تحمل طفلاً مريضاً، أخذتُ الملف وقرأتُ اسم الطفل واسم الأم، عرفتها وسلّمت عليها، وقلت: مَن؟ أزهار! أنا زميلتك في المدرسة.. في الصف.. ابتسمت وردّت السلام مندهشة، أصبحتِ طبيبة إذن. بعد أن أكملت مراجعة طفلها عادت لتودّعني، فسألتني عن بعض الزميلات. أجبتها.. ليلى طبيبة أسنان، سناء مهندسة.. وأنتِ، ألم تحلمي يوماً أن تكوني مراسلة صحفية تجوب البلدان وتكتشف العوالم؟ّ قالت: كان حلماً فقط، فقد تركت الدراسة وتزوجتُ أول خاطبٍ لي، أردتُ أن أتخلّص من جوّ الدراسة والالتزام. سألتها: لِمَ يبدو عليك الفقر والحاجة؟ لقد كنّا نحسدك، وكنتِ تتفاخرين بيننا بما تملكينِ وبما يجود به الوالدان عليك؟ أجابت: ظروف الحياة أرهقتني، زوج عاطل، أولاد، إيجار مسكن، وليس بيدي حيلة. قلت لها: ألا يمكنك تغيير ذلك؟ أجابت: قدري هكذا ولابدّ من الرضا والصبر. قلت: أيُّ رضا هذا؟ بإمكانك تحسين ذلك، فأنتِ متعلمة وتجيدين مهارات عديدة، ولديك قدرات أذكر منها الخياطة مثلاً. أجابت: جربتُ كلَّ شيء، الظروف قاهرة لي دائماً. اتركيني رجاءً. لم أحتمل استسلامها لواقعها المرير، قلت لها لابدّ لكِ من التفكير بجدّية، فإمامنا الصادقj يقول: “مَن استوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يومه شرّهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه كان إلى النقصان أقرب، ومن كان إلى النقصان أقرب فالموت خير له من الحياة”.(1) ما الذي يجعل بعضهم يسعى إلى تحقيق أحلامه، بينما يتنازل بعضهم الأخر عن حلمه بسهولة، فما دام غيرنا قد حقّق حلمه، لماذا لا نكون أنا وأنتِ ممّن يحققن أحلامهن. لو نظرنا فوقنا إلى السحاب نراها تتحرك، ولو وقفنا على حافة نهر فالماء يتحرك تحت أقدامنا، وهكذا الحال في كل مكونات الكون بَدءاً من أبسط جزء وهو الذرة إلى أكبر المجرات، فإنها في حركة مستمرة. إذن لابدّ من الحركة لحدوث التغيير، لكن قد يعيش الإنسان ويتكيّف بنمط معين من الحياةِ ينام، ويأكل، ويذهب إلى عمله المعتاد، وهكذا يسترسل ويصل إلى الروتين القاتل، فيعيش حالة الحياة أو العيشة (اللاواعية)، فإذا ما صادفه شيء جديد في العمل أو العلاقات الاجتماعية نراه يتهرب منه، فإذا به مقيّدٌ من حيث عمله وعلاقاته، لستُ بهذا الحديث أدعوكم إلى التذمر والثورة على واقعكم، لكن الإنسان بطبعه طموح وطموح جداً، ولولا ذلك لما وصلت إلينا تلك التطورات والتقنيات العالية. وما وصل إليه اليابانيون من التطور المذهل، كان بسبب قوانينهم في التحسن المستمر، ونرى ذلك جليّاً في مجتمعهم، مجتمع مهدد بالزلازل والكوارث على مدى فصول السنة، والتطور الهائل مستمرٌ فيها حتى سُمّيت اليابان بالكوكب الآخر. هناك قول شائع عند اليابانيين، وهو: (إذا لم ترَ الشخص لثلاثة أيام فكّر أربع مرات؛ لأنه قد تغيّر خمس مرات!) والآن إليك بعض النقاط التي تساعدك على تحقيق حلمك، وليس بالضرورة أن يكون وظيفة معينة، وإنما قد يكون تحسين سلوك معين مثل: التخلص من الغضب، أو اكتساب فضيلة مثل التسامح وهكذا، والنقاط هي: 1. اربط هدفك بقيمة عليا، وليكن الله ليصبح هدفك جزءاً من رؤية مستقبلية وهو الإخلاص وحب الله. 2. اكتب على الأقل ثلاثة أسباب قوية ومقنعة لك بالذات، لماذا أحلم؟ ولماذا أريد تحقيق ذلك؟ 3. ابدأ كلّ يوم بالسير على الأقل عشر خطوات نحو تحقيق الهدف. 4. تخيل نفسك مع الهدف أي ارسم واقعك في داخل ملفات عقلك بأن تتحدث مع نفسك إيجابياً مثل: أنا قادر على ذلك.. أنا هادئ، أنا قوي، وكلّ ذلك سيفتح ملفات ويجعلها حافزاً نحو الإبداع والتميز مثل جهاز الحاسوب تماماً. 5. اعمل الشيء الصحيح دائماً ولا تتجاوز حدودك أو مبادئك لتحقيق غرضك. وتذكر دائماً أن أكثر الأحلام في داخل المقابر فلا تكن من أولئك، واسعَ من الآن نحو تحقيق حلم وأمل جديد. ........................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص618.