رياض الزهراء العدد 211 الحشد المقدس
جبر الخواطر في قوافل الحجاج
في صباح يوم مشرق رن هاتفي على نبرات صوت أخي الممتلئة بهجة وفرحا مبشرا إياي بأن أمنا ستذهب إلى الحج مع قوافل الحجاج هذا العام بعد ظهور نتائج القرعة، أحسست بأن أخي من فرط فرحه العارم، تحول إلى طائر يطير بجناحين كبيرين شغلا السماوات السبع من شدة الفرح، فأمطرت عيناي دموع الامتنان لاستجابة الله تبارك وتعالى دعاءنا بأن يرزق أمي حج بيته العتيق، فلطالما داومنا أنا وأخي على قراءة دعاء "اللهم ارزق أمي حج بيتك الحرام" في أيام شهر رمضان المبارك. وفي لحظات الشكر والامتنان، سمعت أخي يناديني عبر الهاتف قائلا: زينب، زينب، هل تسمعينني؟ فأجبته: نعم أسمعك، فطلب مني أن نذهب سوية إلى بيتنا في الكاظمية لنخبر والدتنا بالخبر السعيد، فقلت له: لا أستطيع الذهاب لأنني مريضة والطريق من كربلاء إلى الكاظمية مرهق بالنسبة إلي، اذهب أنت وأخبر أمنا. أجابني: سأنتظرك حتى تصبحي بصحة جيدة، ونذهب يوم السبت مساء لتشاركيني فرحة تلقي أمنا الخبر السار. مضت الأيام وأنا متعبة ومرهقة، حتى جاء يوم السبت الذي كان ممطرا، وبدأت يومي بالبكاء وبمشاعر حزينة، لكنني لم أعلم لم هذا البكاء؟ حتى من حولي أصابهم الذهول لحالي، وامتدت الأيدي تطبطب علي وتذكرني بأني سأذهب اليوم برفقة أخي (محمد) لتعم الأفراح في بيتنا في بغداد. لا أعلم ما أصابني، وتكررت كلمات أخي على مسامعي بأنه سيخبر أمنا بذهابها إلى الحج هذا العام، وبأنه تبرع بأن يوصلها إلى (عرعر) الحدودية بسيارته الخاصة مع تزيينها بأجمل باقات الورود، وسيقوم بتوديعها عند تفويج الحجاج إلى بيت الله الحرام، يحكي كأنه أمام شاشة تلفاز يرى كل ما تتمناه نفسه في اليوم الموعود، فقمت وتجهزت بانتظار أخي ليعود من وحدته العسكرية في (جرف الصخر) ظهرا لننطلق عصرا إلى بيت والدتنا، وما إن دقت الساعة الثانية عشرة ظهرا حتى استهدف هجوم لعصابات داعش الإرهابية بسيارة مفخخة الوحدة العسكرية التي يوجد فيها أخي، وسقط شهيد واحد من أثر الهجوم الغاشم، وكانت الصدمة بأن أخي هو الشهيد! حيث صادف انفجار السيارة لحظة خروجه من وحدته العسكرية، حاملا أحلاما جميلة يرويها لأمه التي تتلهف من أجل الذهاب إلى مكة المكرمة. جفت زهور الفرح، وتبعثرت علب الحلوى، وانسكبت عصائر الفرح في طريق الشهادة، وارتقى أخي شهيدا يرنو الوصول إلى والدته ليخبرها بفرحه، ويبشرها بخبر كونها ستكون حاجة في هذا العام. نال أخي الشهادة، وذهبت أمي إلى الحج وهي تطوي تحت ثيابها البيضاء ألم الفقد ومرارة الفراق، كأن الله قد جبر قلبها الكسير بأن تكون مع قوافل الملبين: لبيك اللهم لبيك، وتتضرع إلى الله أن ينزل السكينة على قلبها المجروح، وتقول: يا ليتني أرى وجه ولدي مع قوافل المودعين، لقد سعى إلى أن أحصل على لقب حاجة، لكنه رفع شأني حين حصلت على لقب أم الشهيد.