السيدة النقية (عليها السلام)

ذكرى زكي صالح الحلي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 90

إن الإسلام اهتم كثيرا بتربية الأبناء، وأوصى بمراعاة حقوقهم، منها اختيار الأسماء الحسنة لهم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأمير المؤمنين (عليه السلام): "يا علي، حق الولد على والده أن يحسن اسمه، وأدبه، ويضعه موضعا صالحا..."(1)، ونجد أن أحد أسرار اسم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) هو تدخل السماء باختياره، وإبلاغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) باسمها عبر أوصيائه البررة وصولا إلى أبيها (عليه السلام)، وكذلك تعلق أهل البيت (عليهم السلام) باسم أمهم فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فأكثروا من اسم (فاطمة) في بناتهم تيمنا بذكرها، وهو اسم مشتق من اسم الله تبارك وتعالى (الفاطر)(2). ولقبت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) بألقاب سماوية عديدة بوصية من جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، منها: أخت الرضا، كريمة أهل البيت، الحميدة، الرضية، المرضية، الرشيدة، المعصومة، والأخير مشهور عند الناس، حتى ظن بعضهم أنه اسمها (عليها السلام). نشأت السيدة المعصومة (عليها السلام) نشأة طيبة، ونبتت نباتا حسنا، وعرفت بطيب الأخلاق، وطيب الأعراق، وبالطاعة والتعبد والتهجد، قانتةٌ لله في آناء الليل وأطراف النهار، كيف لا وهي سليلة الكرام، وحفيدة سادات الأنام، وكانت شديدة التعلق بإمام زمانها أخيها الإمام الرضا (عليه السلام)، وعندما سافر (عليه السلام) بأمر المأمون العباسي من المدينة إلى (مرو)، اعتصر قلب السيدة المعصومة (عليها السلام) من الألم، ولوعة الفراق، وعلمت أن أخاها وإمامها لن يعود، وبعد مرور عام على سفره (عليه السلام)، تأجج نار الشوق إلى أخته المعصومة (عليها السلام)، فكتب رسالة إليها، فقررت الالتحاق به برفقة خمسة من إخوتها، وعدد كبير من بني أعمامها وأولادهم وأقاربهم ومواليهم وأعداد من الشيعة، ولم تتوقف عن المسير على الرغم من وعورة الطريق، والسير وسط الرمال وأعاصير الصحراء، وتعرض الموكب لقطاع الطريق واللصوص، فعانت ما عانته (عليها السلام) في هجرتها من مشاق السفر(3). ولما بلغ نبأ هذا الموكب إلى المأمون، تهيب وخاف من فشل خططه المرسومة، فأمر بمحاصرة هذا الركب العلوي، فقتل وشرد كل من فيه، ورأت السيدة المعصومة (عليها السلام) إخوتها يصرعون أمام عينيها، وهو شبيه بالمواقف والظروف التي عاشتها عقيلة الهاشميين السيدة زينب (عليها السلام)، غير أن هناك فرقا في ختام الفاجعة، فقد وجدت السيدة المعصومة (عليها السلام) من يواسيها ويحفها بالإجلال والإكرام، ومع ذلك لم تبق بعد ذلك سوى (17) يوما، وبعد أن مرضت (عليها السلام) بفعل السم الذي دس إليها، فلما أحست بدنو أجلها اختارت أن تدخل مدينة (قم)، مثلما أخبر جدها الإمام الصادق (عليه السلام) بذلك: "إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم"(4)، واستشهدت مظلومة مقهورة مسمومة، فسلام الله عليها يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث مقاما محمودا. ......... (1) من لا يحضره الفقيه: ج4، ص٣٧٢. (2) خصائص السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام): ص36. (3) حياة وكرامات فاطمة المعصومة (عليها السلام): ص20. (4) بحار الأنوار: ج57، ص228.