رياض الزهراء العدد 211 هندسة الحياة
من شب على شيءٍ...
من بين الأمثال المشهورة التي يتم تداولها كثيرا والاعتماد عليها بوصفها دليلا على عدم تغيير سلوكيات بعضهم وأفكارهم، قول: (من شب على شيء شاب عليه)، فما مدى صحة هذا القول ووجهات النظر المختلفة فيه؟ هل فعلا من شب على شيء شاب عليه؟ وما انعكاسات الاعتماد على أقوال كهذه، والرسائل التي توصلها إلينا، وتقر في عقلنا اللاواعي، ومن ثم تؤثر في أفكارنا وسلوكنا. لا ننكر أهمية الأمثال والحكم في حياتنا، وأن لكل منها قصة وعبرة حدثت في وقت ما، فكان نتاجها تلك الجمل المؤثرة والثابتة التي لا يقوى أحد على التفكير في تغييرها، وهنا نقول: إنه من الواجب علينا أن نبحث في كل ما يتم إدخاله إلى عقولنا؛ لأنه سيشكل مسيرة حياتنا، وبدورنا سنوصلها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الأجيال القادمة، ويوصلونها بدورهم إلى من بعدهم. نعم، إن كثيرا من الأمور التي يتعلمها الطفل منذ نعومة أظفاره، تصبح كالنقش في الحجر إلى ما شاء الله من العمر، ومنها ما هو ثابت ومؤكد كالمعتقدات الدينية التي يغذي الآباء أبناءهم بها، ويسعى الجميع إلى ترسيخها؛ لأنها النهج القويم، وبوصلة الحياة، فكلما مر على الإنسان أي نوع من عواصف الحياة العاتية، فإن العقيدة الحقة تزداد رسوخا وثباتا، فتقوم تلك العواصف باقتلاع ما هو زائف وباطل، مثلما جاء في قوله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) (الرعد:17)، وتلك هي الأمور التي نؤكد على أهمية مراعاتها، وأن يشب عليها الفرد، وتقوم الأسرة بتعزيزها. أما من ناحية التأثير السلبي للقول المذكور، فهو تفكير بعضهم بعدم جدوى البحث عن وسائل لتعديل السلوك السلبي، وأنه لا يمكن ذلك استنادا على ذاك القول، فيضعه دليلا على استحالة التغيير، ويتناسى قول الله سبحانه وتعالى: (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد:11)، فالتغيير هو سنة الكون، فالكل في تغيير وتعديل مستمر عند إدراك أية ثغرة في علاقاتنا، سواء الروحية أو الاجتماعية. لذا يجب أن نقوم بين حينٍ وآخر بإحراق الأفكار السلبية البالية؛ لنضيء سماء المستقبل المشرق، ونتفحص تاريخ صلاحية الأفكار، ومدى تناسبها مع الواقع وتعاليم الشريعة الإسلامية، فمن شب على فكرة سلبية، وأدرك خطورتها، وسعى إلى تغييرها، فحتما لن يشيب عليها.