الأم المضحية.. بين مسؤولية الأمومة وتقدير الذات
كل أنثى في رحلتها في هذه الحياة المليئة بالتحديات والمسؤوليات، يبرز دور الأم لديها بوصفها قلب الأسرة، فهي عمادها الذي يتكئ عليه كل أفرادها، من رب الأسرة حتى أصغر عنقودها، فتضحي بكل ما تستطيع لأجل تلك الأسرة عبر انغماسها في تلك المسؤوليات والواجبات المترتبة عليها، من التدبير المنزلي إلى واجباتها بوصفها زوجة، وأما، فتنسى أن تعيش لذاتها، وتكون مساحة شخصية لها، وقد يصل بها الحال إلى أن تعد الاهتمام بنفسها من الكماليات أو رفاهية غير مهيأة لها. لكن للاختصاصية بالشؤون الاجتماعية (رشا شومان) رأي آخر، فقد أجابتنا عند السؤال: ما الأسباب التي تشغل المرأة عن الالتفات إلى نفسها؟ كلنا نعرف حجم الضغوطات التي تمر بها المرأة، من الحمل والولادة، مرورا بمرحلة الرضاعة، والتربية، والتدريس، وصولا إلى مرحلة المواجهة مع عنفوان المراهقة، وكل هذه الضغوط مقرونة بأداء الأعمال المنزلية، وتحمل بعض المسؤوليات الخارجية، إضافة إلى الحياة الزوجية، وغيرها من الأمور التي تشغل بال المرأة، مما يجعلها تنسى في بعض الأحيان نفسها وكيفية الاعتناء بها، قد تحاول في بعض الأحيان الاهتمام بنفسها والعودة إلى أيام الدلال والراحة بكل جدية بعد اطلاعها على بعض الأبحاث، أو الفيديوهات التنموية الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتجد بعدها بيوم أو يومين أن الفوضى قد عادت سريعا إلى حياتها، فتحبط أكثر وأكثر، وتقتنع بأن الأمومة مضادة لمعنى الدلال، والراحة، والجمال! هل يتعارض مفهوم الدلال واهتمام المرأة بنفسها مع أدوارها بصفتها زوجة وأما؟ وكيف يؤدي الاهتمام بالذات وصقل الشخصية دورا إيجابيا ومؤثرا في الأسرة، بخاصة في الأم؟ ومتى يكون الاهتمام بالذات متعارضا مع واجبات الأمومة؟ إن دور الأم في الأسرة لا يقتصر على تلبية احتياجات الأفراد اليومية، بل يمتد إلى تأمين بيئة صحية وإيجابية لكل أفرادها، ولكي تعد المرأة هذه البيئة عليها أن تهتم بذاتها أولا، فتكون مرتاحة نفسيا، وجسديا، وصحيا؛ لذلك نصيحتي الأولى لكل أم هي أن تبدأ بذاتها، فمفهوم الدلال والاهتمام بالنفس لا يتعارض مع أدوارها، بل يمكن أن يكون مكملا قويا لأداء دورها العائلي، فهي بذلك تزيد من فعاليتها وتوازنها النفسي، مما ينعكس إيجابيا على علاقاتها الأسرية والزوجية، فتصبح قادرة بشكل أكبر على القيام بالمهام الآتية: 1. تقديم الرعاية والدعم لأسرتها. 2. بناء علاقة ترابطية متينة بين أفراد الأسرة، فسعادة الأم ترتبط بمدى هدوء أعصابها، ومن ثم يسود الهدوء في الأسرة، مما يقوي الروابط بين أفرادها. 3. تحفيز الأولاد على بناء مفهوم سليم عن دور الأم ودور الزوجة، حتى عن مفهوم العائلة، فلا يربطون الأمومة بالتعب والشقاء والإهمال، فينفرون من خطوة الزواج. 4. تحفيز الأولاد على أهمية تحقيق التوازن بين العلاقات والالتزامات العائلية، وبين الاهتمام بالذات ورسم الحدود الشخصية. ما المقصود بالاهتمام بالنفس؟ هل يعني ذلك الانغماس الكامل في احتياجات الفرد الشخصية فقط؟ طبعا لا، بل يتضمن فهم التوازن بين الأدوار المختلفة، بما في ذلك دور المرأة بوصفها زوجة، وأما، وأنثى، وبفضل هذا التوازن، تكون الأم قادرة على بناء علاقات قوية، وصحية، وسعيدة داخل الأسرة، من دون التخلي عن رعايتها لذاتها. يصبح الاهتمام بالذات متعارضا مع واجبات المرأة ومنبوذا عندما تتخلى عن أدوارها الأساسية في التربية والأمومة لتنصهر في ذاتها، فمثلا تتخلى عن الاهتمام بطفلها في أعوامه الأولى وتدخله في دور الحضانة لتتفرغ للخروج مع صديقاتها والتبضع بذريعة أنها بحاجة إلى الاهتمام بذاتها، أو مثلا قد تجلس طوال النهار متنقلة بين الهاتف والتلفاز بذريعة أن راحتها من سعادة أهل المنزل، أو تترك الطفل في أحضان الخادمات لاستكمال الدراسة، أو للخروج مع الصديقات، ففي هذه الحالات تكون المرأة مقصرة ويتعارض تصرفها مع الاهتمام بالذات. ما الإرشادات المناسبة؟ الحل بمعرفة الأولويات، ثم ترتيبها، ثم تخصص المرأة كل يوم وقتا مستقطعا محددا خاصا بها؛ لتعيد شحن طاقتها وتعود إلى خدمة عائلتها بسعادة أكبر، وأن ترسم حدودا شخصية لكل فرد في الأسرة، فلكل واحد منهم دوره على حسب مرحلته العمرية وقدراته البدنية، وأن تعرف ما مفهوم الذات وحب الذات من جهة نظر الإسلام لا التنمية البشرية الغربية، والأهم أن تتفق مع زوجها على أن يقوم كل واحد منهما بدوره في الأسرة. وأخيرا، أدعو كل امرأة إلى أن تفكر بالفن الساحر الذي يكمن في اهتمام المرأة بنفسها، فهي تعد خيوطا فنية تشكل سعادة الأسرة إن تمت بشكل مدروس ومتوازن.