التطرف الثقافي

مروة حيدر الحجيمي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 180

من أكثر الصعوبات التي تواجه المجتمعات الإنسانية عامة، والعربية بخاصة، مشكلة التطرف الفكري؛ وذلك على اختلاف معتقدات تلك المجتمعات وانتماءاتهم، فقد نمت هذه الظاهرة بشكل كبير، وأصبحت تهدد أمن المجتمعات وسلامها. يعيش الفرد في هذا الوجود وهو يمارس بعض السلوكيات التي تأتي في ضمن سجيته التي جبل عليها، إلا أنه قد يجهل طبيعة هذا السلوك وانعكاسه على العالم الخارجي، وإحدى الصور التي تعطيها تلك الفطرة، هي ممارسة الإنسان ذلك التطرف في الفكر على نحو خالٍ من الوعي والإدراك، ويتضح ذلك عبر الممارسات الحياتية اليومية، عندما يدخل الفرد في حوار مع شخص أو مجموعة، فتراه يتعصب لرأيه ويحاول فرضه بكل وسيلة، وهذا يؤدي إلى تراكمات تقبع داخل الشخصية، مما يحولها إلى جزء منها، ومن ثم تصبح ملازمة له في كل المواقف التي يمر بها. والتطرف الفكري يوهم صاحبه بأن فكرته هي الأصح، وما دونها لا يمكن الاعتراف به، ومن مصاديق هذا الأمر عدم تقبل الرأي الآخر، والتعصب للرأي الشخصي، والاعتقاد الخاطئ بأن الشخص هو وحده على حق، وجميع من يخالفه الرأي على باطل، وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى استعمال العنف والخشونة، فالمتطرف يعطي لنفسه الحق في الولاية على الآخرين، فمعاقبتهم ومحاسبتهم عند مخالفتهم لمعتقداته، ومن جانب آخر، فإن التقليد الأعمى للشخص أو الجماعة التي ينتمي إليها، يؤدي إلى ضياع الفكرة الصائبة، وانشغال المتخاصمين بأفكارهم الشخصية. من هنا يتخذ المتطرفون مواقف معينة من منطلق فهمهم وتفكيرهم، وهم بطبيعة تعصبهم وتمحورهم حول آرائهم، لا يقتنعون برأي غيرهم، ولا يستطيعون أن يقنعوا غيرهم، ويرى كل فرد منهم أن رأيه ووجهة نظره هي الصواب، وما سواها ضلال مبين، ومع مرور الوقت ينطوي كل فرد على نفسه؛ لأنه أغلق باب الحوار والتفاهم، ويتقوقع الأفراد داخل ذواتهم، ويدورون حول أفكارهم وآرائهم، وأكثر هؤلاء لم يطلعوا إلا على رأي واحد، ولم يقرؤوا سوى صفحات معينة من كتب محددة.