القُرآنُ المَهجُورُ وشَكوَى الرَّسُول (صلى الله عليه وآله)

أزهار عبد الجبار الخفاجي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 278

يعدّ القرآن الكريم رسالة الله (عز وجل) إلى عباده؛ لتنظيم شؤونهم، وهو وهج نور وهداية يرشد الإنسان إلى الخير، فمن الواجب علينا أن نستجيب لتلك الرسالة بفهم مضمونها، والعمل بأحكامها على كافة الصُّعُد، فلا يوجد هناك مبرر للإعراض عنها، وبخاصة أن مصدرها عظيم. ولكن ما نراه اليوم في ظل الغزو الثقافي أن القرآن ترك من ناحية لبه ومحتواه، والتدبر في آياته فأصبح يقرأ في شهر رمضان، وما إن ينقضي هذا الشهر الفضيل حتى يركن على الرف، ليغطيه التراب إلى أن يحلّ الشهر المبارك من السنة الجديدة، فيكون قد حان الوقت لإزالة الغبار عنه الذي تجمع عليه طوال أحد عشر شهراً، لماذا ذلك؟وجهنا السؤال إلى منتسبات شعبة التوجيه الديني النسوي في العتبة العباسية المقدسة، فأجابت الأخت فاطمة هاشم مشكورة: إن الكثير منّا يهجر القرآن، ويتعامل معه حين يرزق بمولود مثلاً فيفتحه لاختيار اسم له، أو يوضع في الجيب، أو في السيارة للحفظ، أو تُنقش كلماته على جدران المساجد بعنوان الفنّ المعماري، أو يجعلونه مصدراً لزيادة الرزق. نعم كلّ هذا لا بأس به، ولكن روايات أهل البيت (عليهم السلام) تحثّ على استحباب قراءته والتدبر في آياته في كلّ وقت، وما يحدث الآن يعد نوعاً من الهجر، ومعنى (الهجر) هو مفارقة الإنسان لغيره بالبدن أو اللسان، وهذا ما يجعلنا نكون من مضامين الشكوى التي أطلقها رسول الأمة (صلى الله عليه وآله) (يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)/ (الفرقان:30)، وأحسب أن هذا الهجر هو الهجر القلبي واللساني، فلماذا نهجر دستور حياتنا، ووسيلة النجاة، فهو ممتلئ ببرامج الحياة، وهذا لا يعني أن نعتني بقراءته فقط، فالكثير من البلدان فتحت مدارس لتحفيظه وقراءته، ولكن بأفكار من الغرب تارة ومن الشرق تارة أخرى، فهو غطاء لمخالفاتهم ليس إلا لذا يجب الالتزام بما حثّت عليه الروايات، وهو قراءته والعمل به خصوصاً من ناحية الفكر والمحتوى، ولا ننسَ أن الرسول (صلى الله عليه وآله) وصّى به في حديث الثقلين: “إني تارك فيكم الثقلين...”(1). إن بركات القرآن لا تعدّ ولا تُحصى، فكثير من الذين يحفظونه ويقومون بتلاوته نرى السعادة في حياتهم. وعن هذا المضمون تحدثت الأخت آلاء فاضل/ خريجة متوسطة وقارئة للقرآن، إذ قالت: لقد ساعدني القرآن في تنظيم الوقت وحسن استغلاله، وزاد في فصاحة لساني وطلاقته، وله تأثير عظيم في تحقيق الأمن والطمأنينة القلبية، وزوّدني بطاقة روحية هائلة، وكثرة تلاوتي له أيقظت إدراكي وتفكيري بشكل واضح وجلي، حتى حياتي وأسلوب عيشي قد تغير، وأصبح القرآن جزءاً من حياتي لا يمكن الاستغناء عنه. وعن مدى استفادتها من قراءة القرآن قالت الأخت زهراء محمد/ طالبة في كلية العلوم الإسلامية: حفظ القرآن يساعد على التركيز المطلوب في تحصيل العلوم من طب أو رياضيات أو شريعة أو علوم طبيعية، فالإنسان الذي يحفظه ويستمر في تلاوته وفهمه منذ الصغر يتمتع بمستوى تركيز أعلى من غيره، فخلايا الدماغ مثلها مثل أي عضو في الجسم ينشط بالاستخدام ويضعف بالإهمال، بشرط أن تكون تلك التلاوة أو الحفظ بتدبر في معاني الآيات، وهذا ما حصل لي إذ انعكس على حياتي وحياة عائلتي والمحيطين بي، وأصبح التعاون بيننا على نهج أهل البيت (عليهم السلام)، فان القرآن هو دستور الحياة، وهو تبيان لكلّ شيء، وأجمل شيء فيه أنه قربني من الله (عز وجل). ولعلم النفس رأيه: إن أغلب الناس يعتبرون قراءة القرآن مرتبطة بحلول شهر رمضان على الرغم من أنها مطلوبة في كلّ وقت وحال، فلماذا؟ عن هذا السؤال أجاب الدكتور (عامر الحيدري)/ اختصاص أمراض نفسية وعصبية بأن هناك اعتبارات عند بعض الناس تدفعهم إلى هذا التصور، فالأجواء الروحانية للشهر تساعد على التعمق في القراءة كذلك إن مناسبة إنزال القرآن في هذا الشهر يشعر البعض بأنه لابدّ من قراءته ابتهاجاً بهذه المناسبة. نصيحة للأسرة في ظل الغزو الثقافي ما النصيحة التي تقدّم للأسرة كي تنشأ أبناؤها على حبّ قراءة القرآن وتفسيره؟ يقول الأخ أبو مصطفى/ موظف ورب أسرة: إن الهجمة التي يتعرض لها الشباب اليوم رفدت المجتمع بأفكار هدامة باتت تنتشر فيه بسرعة، فعصفت به وحرفته عن مساره الصحيح مؤدية به إلى الانهيار المخطط له سلفاً ولتحصين المجتمع من الوقوع في تلك الهاوية لابدّ لنا من العودة إلى القرآن الكريم، وجعله الحاكم المطلق على كلّ تفاصيل حياتنا. ولكي لا نكون من مصاديق شكوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو السبيل الوحيد للنجاة، فعلينا به مصدقين بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله (عز وجل) فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله (عز وجل) فيه تقل بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين”.(2) نحن اليوم نعيش عصر ازدهار، إذ تنوعت مصادر الاهتمام بالقران الكريم وحفظه وترتيله في كلّ الدول، وفتحت آلاف المدارس لتعليم القرآن وحفظه، وهذا مدعاة للفخر والاعتزاز، ولكن هل بهذه الأنشطة يؤدي المؤمنون مسؤوليتهم اتجاه القرآن الكريم؟ فيا أمة القرآن، إن علاج الصدق والإيمان كثرة قراءته وعلامة القبول التدبر في آياته، ومن أراد الرفعة والكرامة فعليه بالقران ورفع الهجر عنه بكلّ ما أوتي من إيمان. .................................... (1) ميزان الحكمة: ج2، ص254. (2) الكافي: ج2، ص821.