رياض الزهراء العدد 212 رتاج العلم
"فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه"
اهتم أهل البيت (عليهم السلام) بالعلم والتعليم، وعملوا على تعليم الناس وإرشادهم، فهم ورثة الأنبياء، ثم يأتي دور العلماء السائرين على نهجهم، الذين انتهلوا العلم والهدى من معينهم الصافي؛ ليسقوا الناس زلالا طيبا، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"(1). وقد ربى أئمتنا (سلام الله عليهم) تلامذة انتشروا في أصقاع الأرض، ونشروا علوم أهل البيت (عليهم السلام) بين الناس، فهم كالمرابطين عند الثغور للدفاع عن الإسلام وحريمه، يدرؤون الفتن الفكرية، ويحمون عقائد الناس، ويعالجون ما أشكل عليهم. ومن الأسماء البارزة (هشام بن الحكم)، أحد تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي درس ونشأ على يديه، وكان له الدور الكبير في رد شبهات الملحدين، حتى قال عنه الإمام (عليه السلام): "ناصرنا بقلبه ولسانه ويده"(2). إذن للعلماء المأمونين دور مهم في التصدي لنشر العلم وتعليم الجاهلين، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا"(3). وإذا تخلف العلماء عن دورهم، تصدى غيرهم من المرتزقة ليبثوا السموم والخرافات في عقول بسطاء الناس، وينشروا الشبهات والترهات، وهذا ما يلحظ في أيامنا، فبعضهم ممن ليس له نصيب من العلم، وإذا به يتصدى للوعظ والإرشاد، فيهدم بدلا من أن يبني بخطابه الهزيل الذي يفتقد إلى العلمية والعقيدة الحقة. على الإنسان أن يستقي المعارف والعلوم من معينها الصافي، حتى يكون أساسه قويا وإيمانه شديدا، بحيث يمكنه الثبات والاستقامة، فلا يسقط أو يميل مع كل ريح، أو يتبع كل جماعة من دون هدى، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف هؤلاء التابعين: "أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق"(4). فالبحث والسؤال والتقصي عند الشك، يقي من الضلال والتيه، عصمنا الله وإياكم. .................................................... (1) الكافي: ج1، ص32. (2) المصدر نفسه: ج1، ص172. (3) ميزان الحكمة: ج3، ص2074. (4) بحار الأنوار: ج1، ص188.