سطور من نور تروى في سماء الوطن

آلاء طاهر اللامي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 18

أصوات الانفجارات تمزق سكون الليل، وأشعة الكشافات تقطع ظلام (الموصل)، يقف (علي) ممسكا ببندقيته، عيناه تحدقان في الأفق، يذكر نفسه بوعد قطعه لأمه، وعدها بالدفاع عن أرضه وعرضه، كل شبر من هذه الأرض يحمل ذكريات طفولته، ووجوه أحبائه الذين تركهم خلفه، هذه ذكرياته التي يسطرها قائلا: في أعماق هذه المدينة تتلألأ أسماء من بنوها على صفحات المجد بأيديهم، فسجلوا بأحرف من نور ملاحم البطولة والفداء، هؤلاء هم الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، فصاروا نجوما ساطعة تضيء دروب الأجيال القادمة. كان (علي) على موعد مع معركة تحرير (الموصل) من براثن داعش الإرهابي، كانت ملحمة بطولية سطرت فيها أروع صور التضحية والفداء، ففي تلك المعارك الضارية التي امتزجت فيها دماء الشهداء بتراب الوطن، برزت شخصيات استثنائية، حملت هموم شعبها على عاتقها، ولم تتردد لحظة في تقديم أغلى ما تملك من أجل تحرير أرضها وعرضها. كانت (الموصل) صرحا شامخا، تحاول قوى الظلام أن تهدمه، لكن إرادة أبطالنا كانت أقوى، وعزيمتهم كانت أصلب، فقد واجهوا الموت بوجه بشوش، وتقدموا نحو المعركة كأنهم ذاهبون إلى حفلة عيد، موقنين بأن دماءهم ستروي شجرة الوطن، وستثمر أجيالا جديدة تحمل فكرهم، وتستلهم من بطولاتهم. في كل زاوية من زاويا (الموصل)، تروي لنا الشوارع والأزقة حكايات عن بطولات (علي) وأصدقائه وأترابهم، ممن لحق بالحشد وصفوفه الكبيرة، وكيف كانوا يقاتلون ببسالة وشجاعة، وكيف كانوا يضحون بأنفسهم من أجل حماية المدنيين العزل، ففي كل منزل هناك قصة شهيد، وفي كل قلب هناك ذكرى عزيزة. نعم، إنهم الشهداء، من قدموا أرواحهم الزكية فداء للوطن وشعبه، تاركين وراءهم عائلات ثكلى، وقلوبا يعتصرها الألم والحزن على فراقهم، وستبقى هذه الحكايات خالدة، فحينما نفتح بوابة الأمس نرى أطفال (الموصل) يرتجفون خوفا، لكنهم اليوم آمنون، بالأمس كانوا يئنون جوعا، لكنهم اليوم يأكلون الحلوى، بالأمس كانت كل مدارسهم محطات للموت، لكنها اليوم صارت مصدرا لنور العلم، وهنا يتفتق ألف سؤال ومعنى: ترى من حول مشاهد الدم إلى باحات العز والكرامة والأمان؟ إنهم شهداؤنا الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.