غربة أسيرة الذكرى

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 16

ألقيت من قلبي السلام عليها، ودنوت من أعتابها أناجيها، فأوقفتني غصة كانت دما تبكيها.. أحرقت الروح غصتها، والقرب وحده قادر على أن يشفيها.. ليتها تقول ما يخفف من حملها، فبين الدهاليز أوجاع تدميها.. فبعض الجراح يصعب قولها، والدمع فقط يحكي ما يغص فيها، فعندما عاث الغدر بقلب دنيء وأعجز كل دواء، والأرض ملت تريد النجاة.. تنتظر من الله أمرا، ترجوه أن يسحق هام الطغاة.. لكن الوقت فات، فهبات رياح جمادى الأولى غادرت ساحتها المقدسة، تحمل دخانا.. فقد سرقوا أفراحها مرة أخرى، وتمايلوا من دون رحمة فوق أشلائها.. واستلذوا بطعم الغدر والدمار، وأغرقوا الدنيا في الضلالة.. واخترقت خناجر الآهات أوتار القلوب، وكتمت الأنفاس.. وعلى رماد الانتظار يغفو أمل يلملم جثث الأحلام من تحت الركام.. لتنتفض مدينتي ثائرة، لا لن أذرف الدمع، ولن أتقبل العزاء.. ولن تعاتب القدر وإن تعبت من جراحها المزروعة فوق ثراها.. لن تعاتب وإن تعبت من زمن سلطانه القلق.. تعبت من لياليها الموحشة التي قتلت كل نجومها.. تعبت من حسرات تجرها لهبا على فراق النور بعد النور.. كأنها ذاقت الموت مكررا، فقد سئمت من حزن رافقها واغتالها مرات ومرات.. لكنها تنتظر خلف الأحلام ربيع الظهور، وتتأمل حنين أعتابها لبشرى الحضور.. نعم يا سامراء، فأنت بثوب الكرامة ولون العزة تتزينين.. وعلى الرغم من أوجاعك ونزيف آلامك تقاومين.. فعندك تزلزل خطوات الإرادة، فتنزل من قلاع اليأس رايات.. وعندك تأوي الأحلام في عتمة غفوة التعب؛ لتنعم بدفء الأمان وبراءة العشق.. فتنعشنا نبضة متمردة على حضن السكوت، توغلت في سواحل غربة النفوس، فتذيقها عسل الوصال.. وتتناغم مع أجنحة الفراشات، فتقرع أجراس الجمال.. وتداعب أسارير صباحاتها المشرقة بالكبرياء، وتبتسم لمتاهات الزمان.. منغلقة على جثة الذاكرة التي تغنت بسقوط المآذن المدوي، حتى ضاعت بين ظلال الصمت والنسيان.. ليبزغ فجر جديد، يستيقظ فيه الأمل ولذة الانتصار...