النداءُ الأخيرُ

ميعاد كاظم اللّاوندي
عدد المشاهدات : 215

وا ويلاه.. مالي كلّما هممتُ لدخولها أخذتني العزة بالإثم والعناد، وأغرتني الدنيا تناديني أن هلمُ إليّ فما زلتَ في شرخ الشباب، وإذا بي أستفيق مرعوباً على نداء الرحمة الإلهية الأخير.. كنت أظنها صعبة المنال.. وأنها فقط من نصيب الأولياء فأخذ فكري يعيد السؤال.. هل يمكن أن أجد لساحتها باباً؟ فعندما تكفهرّ الدنيا الموحشةُ في وجهي وتراودني الذنوب عن نفسي أخرج في طلبها علّي أحظى بالوقوف على بابها متضرعاً نادماً على ما بدر مني.. حينها يمكن لعبء تاريخ معصيتي الضارب في القِدم أن ألقيه عن كاهلي على بابها، ثم تدنو روحي ويشرئب عنقي لدخولها، فقد اكتشفتُ أن لصاحبها سخاءً لا يوازي عطاء الكرماء في شيء أبداً، فمتى أدخلها فإني لا أحتاج إلى تأشيرة دخول، فبابها مشرعة للاجئين غير المتكبرين، والنازحين هرباً من أكدار جناياتهم المنهكة، ولهم الحق في التنعّم بالسعادة الملكوتيّة بلا ترقّب أو خوف من مطاردة خفر السواحل، وبلا توقيف من قِبل حرس الحدود. إنها على استعداد لاستيعاب النفوس الهائمة؛ لأنها دليل النجاة، فعلى بابها لافتة تُرشد من أطبق العمى بصيرته، تقول: وا بشراه، هنا ساحة رحمة الله لغسيل ذنوب الآبقين، ومبيت المفرطين القانطين. والعجب أن كل شيء فيها بالمجّان، والغافل عن دخولها لفي خسران، والأعجب أن لا عسس على بابها، ولا أقفال ولا مواعيد لدخولها ولا أثمان حتى ندخلها، علينا اغتنام الفرص الربانية، ولا نسوّف التوبة ما دام فينا رمق قبل أن ينقضّ علينا الأجل فنُكتب حينها من المحرومين - والعياذ بالله - وصدق (عز وجل) في قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)/(الزمر:52).