رياض الزهراء العدد 84 مناهل ثقافية
عُذرَاً بُنَي.. أخطَأتُ بِحقِّك!
في أثناء إحدى الدورات التدريبية وفي محاضرةٍ لأحد المختصين بعلم الاجتماع والعلوم التربوية والنفسية تحدث الأستاذ عن مهارات التعامل مع الأبناء وكيفية احتوائهم واستيعاب مشاكلهم وزرع المحبة في قلوبهم، وفي الأثناء رأى المحاضر أحد المشاركين في الدورة وقد بانت على وجهه علامات تأثرٍ وانفعال أكدتها قطرات دمع ترقرقت في عينيه، وبعد المحاضرة انفرد الأستاذ بالرجل وسأله بفضولٍ عمّا رأى منه، فتنهّد الرجل متحسِّراً وقال: (لي ولدٌ له من العمر سبعةَ عشر عاماً وقد هجرته منذ خمس سنوات؛ لأنه متمرد لا يطيعني ولا يطيع أمّه، وليس له التزام بأي عبادة من صلاة أو صيام، وله رفاق شر تعلم منهم سوء الخلق وحدّة الطباع، وقد حاولت معه بأساليب شتى ليرتدع عن طريق الغي والعناد، فمنعته من الخروج، وحرمته من المصروف، وضربته عدّة مرات، ولكنه لم يمتنع عن موبقاته ولا أعلم ماذا أصنع معه! ولكن حديثك حول أساليب الحوار مع الأبناء، وأنه حلّ سحري لإصلاح حالهم قد لامس شغاف قلبي، فبماذا تنصحني؟) فتبسم الأستاذ قائلاً: (أعد علاقتك بابنك اليوم قبل الغد، ولا أنكر أنَّ ابنك على خطأ، ولكنك أخطأت أيضاً بمقاطعته خمس سنوات، اعتذر منه وأخبره بأنك كنت مخطئاً في مقاطعتك إياه وأنه يجب عليه أن يكون باراً بوالديه ومستقيماً في سلوكه).. فقال الرجل مستغرباً: أيعتذر الرجل من ابنه؟!.. نحن لم نتربَّ على ذلك!.. فقال: نعم لابدّ من أن يعتذر المخطئ صغيراً كان أو كبيراً، والكبير أولى بالاعتذار؛ لأنه أنضج عقلاً. انتهى الحديث وغادر الرجل غير مقتنع بما قال الأستاذ المحاضر. وفي اليوم التالي دخل الرجل إلى غرفة الأستاذ وقد بدا عليه الانبساط وفاجأه قائلاً: (فكّرت طويلاً بكلامك يوم أمس وترددت كثيراً قبل أن تأخذني خطواتي إلى غرفة ابني وفي العاشرة ليلاً طرقت بابه، وعندما فتح الباب لم يصدق عينيه، قلت له: عُذرَاً بُنَي.. أخطَأتُ بِحقِّك! فارتمى من دون تردد بأحضاني باكياً بمرارة وبكيت لبكائه، وقال: سامحني يا أبي، أقسم أني لن أعصيك وأمي بعد هذا اليوم)، قال الأستاذ: أحسنت صُنعاً هذا ما أردته من كلامي في المحاضرة السابقة. إن الأب إذا أخطأ في حق أبنائه ثم اعتذر منهم فإنه بذلك يعلمهم الاعتذار عند الخطأ، وإذا لم يعتذر فإنه يربي فيهم التكبر والتعالي من حيث لا يشعر.