رياض الزهراء العدد 213 ألم الجراح
شاهدة على المظلومية الأولى
بأوجاع القبة الذهبية، وبدموع مآذنها الحزينة، وتحت خيوط الشفق الداكنة.. ركبت مدينتي أحزانها، تبحث عن سبب غربتها.. ترسم في المكان والزمان صورةً من دون ورقة ولا قلم.. عليها ذكريات وألم.. فتذوب الأشياء مع بعضها، فلا تميز بين الحقيقة والحلم.. ظلام ثقيل يجثم على القلب، حسرات وندم.. تبحث عن ضوء أو نور يهديها، لكن أجنحة الذكريات أخذتها لزمن غابر قديم.. ليتراءى لنا بيت الإمامة المهيب، وبابه الذي يحصنه الحياء، ومفتاحه التقوى.. محاط بهالة لا متناهية من العصمة.. هناك في فراغات الزمن، أقف مع سامراء شاهدةً، والقلب يحتضن الرؤى.. نمني النفس بقرب الوصال من تلك النفحة الروحانية العابقة بمعرفة الله.. لكن ما هي إلا لحظة حتى تغير الحال.. فسرعان ما تغير لون المكان ورائحته، حتى الأصوات تغيرت والظلال.. لنشهد الظلامة الأولى لآل البيت (عليهم السلام).. فبين ظلال الأطلال ذكرى ما تزال تتنفس.. قتلت فينا الأمان، وجعدت الأفق البعيد بالسواد الموجع.. وانهارت الحياة، ولبست نخلة بلادي جلباب الحداد، فقد عزمت تفاحة الفردوس على الرحيل.. بعد أن تجرأت أياد مخضبة بالذل على مشكاة النور، وكسرت ضلع الحجة الكبرى.. عاشت مرارة الغربة التي بدأت من فراق الأحبة، فتأوه النسيم مع آهات قلبها المفجوع بشهادة والدها الحبيب (صلى الله عليه وآله)، واضطرمت نيران المحاجر والصدور مع أناتها؛ لفقد جنينها المحسن (عليه السلام).. فأي خير يرتجى من دنيا تبيح دماء العصمة.. ليعلو في مدينتي البكاء، وفي مساكنها الأنين.. فلن تنجلي بقايا غبار الذكرى من دون أثر، ومن دون أن تحفر في جدرانها الوهن.. فحينما فقدت سامراء رؤية الزهراء (عليها السلام)، انتزعها القهر من هدوئها، وتلوع بنار النوى فؤادها.. ومضت آلام غربتها قروحًا تنزف من شرايينها، وصارت آهاتها تتناهى للعابرين توسلات؛ لتنتشلها يد القدير من غور أحزانها.. لينطلق صوتها المعزي لقلب صاحب الزمان برحيل الدرة البيضاء فاطمة الزهراء (عليها السلام)..