رياض الزهراء العدد 213 الحشد المقدس
رسالة إلى القربان من الأب الفاقد
بينما انشغل الناس بحدثنا العظيم، ألا وهو عزاء الإمام الحسين (عليه السلام)، ذاك الأمر الدائم الحصول في كل سنين حياتنا، رحت أبحث عنك في المجالس، وفي صفوف القائمين على خدمة الحضور لعلي أراك بينهم وأنت تحمل الراية أو تقوم بتقديم كؤوس الماء للمعزين، وعندما استسلمت لحقيقة غيابك من بين الأحياء، رحت أدقق النظر في لوائح الشهداء التي كان يحملها بعض أقرانك من الشباب، هنا كان محط رحال القلب، سقطت عيني على إحدى الصور وقد كانت لشاب يحمل شيئًا عظيمًا من ملامحك، عاد بي إلى عمر الصبا، جئتك وفي قلبي الكثير من التساؤلات قد نسيتها وأنا أنظر إلى وجهك المضيء، أخذت أسند نفسي إلى صورتك، ترى هل تراني وأنا بهذا الحال؟ أتيتك بجسدي الهزيل؟ هل ترى وجه الشبه بين أيامك وبين شعري الذي أصبح أبيض اللون بفعل غيابك؟ بني، أنا أعيش على أمل تلك الأحلام التي أراك فيها قبل طلوع الفجر، هي الأخرى كانت بفضل دعوات أمك عندما خالط قلبها الخوف والحزن من فقداني بعد أن رأتني مرارًا وأنا أهرول فزعًا نحو باب البيت كلما تطرق وأنادي باسمك، هل تعلم يا بني أن أمك تعاني الوحدة فلا وجود لي معها. تعتقد أنني لا أرآها وهي تخبئ وشاحك الذي كنت ترتديه في مجالس عزاء الإمام الحسين (عليه السلام)، وتشمه، وتربة صلاتك التي كنت تعتز بها من جدًا، وصورتك ببزتك العسكرية تضعها تحت وسادتها في كل ليلة، لطالما كنت انتظر خلودها للنوم لاغتنام الفرصة واحتضان تلك البقايا الثمينة منك، أخشى على أمك الاحتراق بنيران الفقد وأنا أقع بالحيرة كعادتي. أردت أن أخبرك بما حصل في الأيام الماضية، أحد أصدقائك وضع صورتك أمام منزلي ولا أعلم لماذا، غير أني أشك بأن أمك هي من دبرت الأمر، وكلما عصف بي الشوق لرؤيتك أسير نحوك بتلك الأقدام المتعبة والعينين الدامعتين، وكثيرًا ما يخذلني النظر في تحديد الاتجاه وأميل نحو عجلات المارة، ثم أعود إلى السير بمحاذات الرصيف بعد سماعي لتنبيهات بعض قائدي السيارات خوفًا من دهسي في الشارع ذاته الذي تحرسه صورتك، بعد ما أنهيت حراستك لوطنك ومقدساتك، حتى صورتك تأدي الدور نفسه، سأبقى أكتب لك تفاصيل يومي كلها، ولا غاية لي بألمك ووجعك، أعلم بأنك محل افتخار واعتزاز لي ولأمك ووطنك، كن على يقين بأنك قرباننا الذي قدمناه للدين، راجين بهذا خير الجزاء، وأن تكون شفيعًا لنا، وبك نحصل على جوار آل البيت (عليهم السلام).