شفيعة المؤمنين..السيدة أم البنين (عليها السلام)

رقية حسين التميمي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 56

قال الله تعالى: ﴿لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمـٰن عهدًا (مريم:87). لو أردنا أن نغوص قليلًا في معاني (الشفاعة)، فسنجد أنها تحمل معاني عديدة، كالحماية، والإسناد، والوساطة، وكل مفردة من هذه المفردات تشير إلى المعنى ذاته، ألا وهو الشفاعة، أي إسناد القوي للضعيف، أما بالمعنى الاصطلاحي، فهي الوساطة بين الله تعالى وأوليائه الصالحين، كالسيدة الجليلة أم البنين (عليها السلام)، فموقفها عندما دخل بشر بن حذلم ناعيًا على أبواب المدينة المنورة: يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار أتته (عليها السلام) وعلم بخبرها، وخاف أن يخبرها باستشهاد أولادها دفعة واحدة، بل تدرج في ذلك، وفي كل مرة كانت تسأله عن الإمام الحسين (عليه السلام)، كأن ليس لها ولد غير الإمام الحسين (عليه السلام). إن هذا الموقف الذي يخالف غريزة الأمومة التي تغلب على المرأة في كثير من الأحيان، لو تأملناه؛ لوجدنا أنه ناشئ من تهذيب طويل الأمد والمدد للنفس الإنسانية، منذ نعومة أظفارها؛ لأن تهذيب كهذا لا يحصل في ليلة وضحاها، أو في شهر أو سنة. ما العلاقة بين تهذيب النفس والشفاعة؟ الشفاعة تلك الهبة العظيمة التي لا تعطى لأي كان، بل إلا لمن اتخذ عند الله عهدًا، ونال رضاه، ووصل إلى مرحلة النفس الراضية المرضية: ﴿وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضىٰ (النجم:26)، و﴿يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمـٰن ورضي له قولًا (طه:109)، فلو تمعنا في الآيتين الكريمتين؛ لوجدنا أن الشفاعة ربطت بالرضا مرتين، وهذا الأمر ليس عبثًا، فكل كلمة من الكتاب المجيد وضعت في محلها، ولها دلالة ومغزى، ولو تأملنا في سيرة السيدة أم البنين (عليها السلام)، لوجدنا أنها قد وضعت نفسها في موضع الرضا، فهي منذ دخولها بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) قد علمت بمسؤوليتها وواجباتها زوجةً، وأما، وناصرةً لإمام زمانها، وقد وصلت السيدة أم البنين (عليها السلام) إلى درجة من تهذيب النفس حتى طغى ذلك على غريزة الأمومة لديها، تلك الغريزة المتجذرة في نفس كل امرأة، فهي عبرت عن رضاها بما كتب الله سبحانه لها، فهي منذ أن قدمت أولادها الأربعة فداءً لإمام زمانها، قد رسمت أسمى مصاديق الرضا والتضحية وأبهاها، ولعل تضحيتها لم تكن فقط مقتصرة على هذه الشذرات، بل إنها لم تجهز جنودًا للإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة كربلاء المؤلمة، بل جهزت جيشًا كاملًا يدعى (العباس)، ذلك المحامي، والأخ الناصر لإخيه، والفادي الذي قدمته بين يدي إمام زمانها من دون أن تلتفت لمشاعر الأمومة لديها، مما أوصلها إلى مقام الرضا، ومنه إلى مقام الوجاهة، ثم الشفاعة، حتى أصبحت شفيعة للمؤمنين، ووسيطة بيننا وبين رب العالمين. يا شفيعةً عند الله، اشفعي لنا عند الله.