رياض الزهراء العدد 213 طفلك مرآتك
﴿رحماء بينهم﴾ (1)
إن الرحمة والرفق بالآخرين من صفات المسلم الحق، واجب علينا التحلي بها واتخاذها أسلوب حياة وطريقة للتعامل مع الآخرين، فنستحضرها عند الحاجة إلى الحكم أو اتخاذ قرار يرتبط بشخص آخر يشاركنا الإنسانية. ذكر الله تعالى الرحمة ومشتقاتها اللغوية في القرآن الكريم بشكل كبير لما لها من أهمية في خلق مجتمع متماسك خال من العنف والجرائم، وبما أن الثمرة الطيبة لا تحصد بشكل مفاجئ، بل تكون بذرة في البدء، ثم تسقى بطيب الماء وتتلقفها أيدي الرعاية إلى أن تنتج لنا بشكلها النهائي. وهكذا هو الإنسان أيضًا، لا يكون رحيمًا من دون أن تكون له طفولة اختبر بها الرحمة بأشكالها المتعددة، عبر تعامله بالعطف والرفق مع الحيوانات والنباتات، بل حتى الأشياء الجامدة، فإن لم يكن للشيء روح، فهو عائد إلى روح تملكه وتشعر بالسوء إن تعرض للأذى. وقد ورد عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئًا ففوا لهم"(2)، ومن هذا المنطلق وجب علينا معاملة الأطفال بالشكل الإيجابي الذي يؤهلهم ليصبحوا شخصيات سوية وفعالة في المجتمع، نعم، إن الطفل مرآة لوالديه، وانعكاس لكل ما يفعلانه، فمثلما يكون الوالدان يكون الطفل، إلا في حالات نادرة جدًا؛ لذا يتحتم على الآباء من جانب استشعار المسؤولية بأن يكونوا مثلما يريدون لأولادهم أن يكونوا، فمن غير المعقول أن نصرخ بوجه الطفل طالبين منه أن يخفض صوته، أو أن نضربه لأنه ضرب أخاه الأصغر، فهذه الأفعال ترسل إلى الطفل رسائل سلبية، يفهم منها أنه يحق له أن يفعل كل هذه الأفعال عندما يكبر، أو أنه الوحيد الذي يجب أن يتسم بالمثالية في مجتمع خال منها، وبما أن الأبوين هما المثل الأعلى والقدوة الحقيقية للطفل، فتلتبس عليه المفاهيم وتختلط عليه الأفعال الخاطئة منها والصحيحة، وينشأ الطفل مهزوز الشخصية غير واثق، كابتًا لمشاعره، يشعر بالتناقض ويعاني من نوبات غضب مستمرة لعدم قابليته على التعامل مع مشاعره والتعرف عليها، ثم ينتج عن هذا كله إنسان بالغ معنف لنفسه ولمن حوله، غير قادر على استشعار الرحمة والتعامل بها، وورد في هذا الجانب مواقف كثيرة عن النبي وآل البيت (عليهم السلام)، منها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقبل الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت أحدًا منهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من لا يرحم لا يرحم"(3). ................................. (1) الفتح:29. (2) وسائل الشيعة: ج21، ص ٤٨٣. (3) المصدر نفسه: ج21، ص 485.