الصياد

رحاب حسين العريفاوي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 18

كان ينظر للصيد على أنه متعة جميلة وهو يسير عبر الشواطئ المليئة بالأرزاق، ومع كل شباك يخرجه يحمد الله على هذه النعم التي سخرها للإنسان، يجول في المناطق بشواطئها للحصول على المزيد من الرزق كل يوم، تتبعه القطط بموائها رغبةً في الحصول على بعض الأسماك، يأخذ بين ساعات العمل وقتًا للاستراحة أو الصلاة أو لتناول وجبة الغداء، بعد أن يجمع ما اصطاده في صندوق خاص مصنوع من الفلين، يغلقه ثم يضع عليه بعض الأحجار، ويستلقي على الأعشاب يتأمل السماء الصافية وحركة الطيور ذهابًا وإيابًا، فتأتي صور أبنائه الصغار في ذهنه، فيقوم لإكمال عمله ليعود لهم بالمزيد من الخير. وذات يوم عند عودته إلى المنزل أعجب ابنه الصغير (جعفر) بكمية الأسماك الوفيرة التي أخرجها الأب من الصندوق، فطلب بإلحاح أن يذهب معه إلى الصيد قائلًا: - أبي، خذني معك يوم غد، أرجوك. - الطرق وعرة يا بني، ستتعب كثيرًا، صحيح أن الصيد ممتع وقد تبدو الأجواء جميلة، لكن في الحقيقة هناك عوائق عديدة في الطريق، فثمة الكثير من القصب والطين والرمال، وأنا أخشى على أقدامك الناعمة من أن تتعب من كثرة التنقل، وملوحة الشواطئ والبزول. - أيحدث هذا معك كل يوم يا أبي؟ - نعم يا ولدي، لكني اعتدت هذه المهنة منذ زمن بعيد، حتى صارت جزءًا مني، ولا أستطيع أن أعمل غيرها، فكل إنسان منا له مكان مناسب له يجب أن يكون فيه، فمثلما نحتاج إلى المعلم والطبيب والمهندس، نحتاج إلى الصياد والعامل والبناء، فالحياة تحتاج كل هذه المهن حتى تستمر وتتوازن. - لقد فهمت ذلك يا أبي، ساعدك الله. - أما المفاجأة، فإني سآخذك معي غدًا للصيد إن شاء الله. فرح الطفل كثيرًا، وصار يقفز من شدة الفرح لرؤية الأنهار والأسماك. وفي الصباح الباكر اتجه الأب وابنه (جعفر) نحو النهر القريب من دارهم، وبينما يمشون بين الأشجار والأنهار أنشد (جعفر): ما أجمل الأنهار والصيد والأشجار قد رادها الإلـــه أن تخـدم الأبرار لذاك يا صاحبي فلنوقظ الإصرار